من وضع هدفا نصب عينيه وعمل على تحقيقه، سيصل حتما إلى مبتغاه، هذا ما تؤكده مريم الكثيري، التي كانت تعشق تسلق الأشجار وركوب الدراجات الهوائية منذ نعومة أظافرها، ليتحول هذا العشق بعد ذلك إلى حلم كبير.
ولدت مريم وترعرعت في مدينة الدار البيضاء، وفي حديثها مع موقع يابلادي، أكدت أنها لم تعش طفولة كمعظم من كانوا في سنها، "كنت فتاة فضولية، أطرح أسئلة عديدة، ولم أتقيد بالحياة الكلاسيكية كباقي الفتيات في سني"، وأضافت أنها كانت تعشق اللغات الأجنبية.
وبعد اجتياز مريم جميع المراحل الدراسية، وحصولها على شهادة البكالوريا ولجت الجامعة لتدرس بها سنتين، بعد ذلك انتقلت لإتمام الدراسة في جامعة تقع جنوب ألمانيا في تخصص إدارة الأعمال والإدارة. وتتذكر مريم أن انتقالها إلى ألمانيا لم يكن أمرا هينا عليها، فرغم اتقانها اللغة الألمانية، إلا أنها واجهت صعوبة في التواصل مع الألمانيين في تلك المنطقة، نظرا لأن سكان جنوب ألمانيا يتحدثون بالبافارية وهي لهجة ألمانية محلية، والتي كانت "مختلفة تماما" عن اللغة الألمانية التي تعلمتها.
"أتذكر ذات مرة، كنت أحضر حصة الرياضيات في الجامعة، وإذا بالأستاذ بدأ بإلقاء المحاضرة بالبافارية، وقتها أدمعت عيناي، وقلت في نفسي، يا إلهي عماذا يتحدث؟"
وتقول مريم إن انتقالها إلى ألمانيا وعيشها بعيدة عن عائلتها التي لطالما احتضنتها، علمها أن تكون أكثر مسؤولية، مؤكدة أن العيش خارج أرض الوطن يجعلك "تعتمد على نفسك وتتخذ قراراتك بنفسك"، وبالموازاة مع حياتها الجامعية، انضمت إلى جمعيات الطلاب وبدأت في ممارسة الرياضة أيضا.
ورغم كل الصعوبات التي واجهتها في البداية، إلا أنها تمكنت في الأخير من الحصول على شهادتها الجامعية ودبلوم ماستر بثلاث لغات في العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية، وولجت عالم الشغل، في مجال الاستشارات.
لكن عزيمتها على تحقيق أهدافها لم تتوقف عند هذا الحد، فقد سلكت دربا آخر بالموازاة مع عملها، حيث قررت الشابة المغربية دخول عالم الرياضة. في البداية بدأت برياضة المشي، وتؤكد أن "المشي لمسافات طويلة هي هواية شائعة في المنطقة البافارية، لقد استمتعت بها كثيرًا".
إلا أن رياضة المشي ما كانت إلا بداية مسوارها في عالم الرياضة، لأن طموحات مريم أصبحت تكبر وبدأت تحلم بتسلق جبل كليمنجارو، وهو الجبل الأكثر ارتفاعاً في أفريقيا، ويقع في شمال شرق تنزانيا.
وانخرطت في نادي جبال الألب الألماني وبدأت تأخذ دروسا لاكتساب خبرة أكبر في هذا المجال، وقالت "إن الطريقة التي وصفوا بها الجبل وأيضا التجربة التي خاضوها، جعلتني أراه أمرا يستحق التجربة".
واستطاعت مريم تحقيق أكثر من ذلك، فقد تمكنت الشابة المغربية الطموحة من تسلق قمم الجبال السبعة الأعلى في العالم، لتصبح بذلك أول مغربية وعربية وألمانية تكمل هذا التحدي في غضون سنة واحدة فقط، حيث بدأت رحلتها في ماي 2018 وأكملتها في ماي 2019.
وتؤكد مريم أن تحقيقها لهذا الإنجاز، تطلب منها الكثير من الصبر بالإضافة إلى وضع خطة ملموسة ومدروسة، "قررت أن أبدأ التحدي قبل خمس سنوات من إكماله فعليا، وكانت المرحلة الأصعب في تسلق هذه القمم، هي مرحلة الإعداد".
كانت مرحلة الاستعدادات بالنسبة للبطلة المغربية، هي من أهم المراحل في هذا التحدي، إذ كان عليها "أن تستعد جسديا ونفسانيا، وكذا شراء المعدات المناسبة، بالإضافة إلى جمع المبلغ اللازم والكافي لإنجاز هذه المهمة"، مشيرة إلى أنها أخذت إجازات طويلة ومتفرقة لأنها لم تستطع ترك وظيفتها نهائيا.
ومن بين قمم الجبال التي تسلقتها قمة جبل إفرست، وهو أعلى جبل على وجه الأرض، يبلغ ارتفاعه حوالي 9كم، وكذا جبل وستو، وهو رابع أعلى قمة جبلية بالعالم، لتكون مريم بذلك أول ألمانية عربية تتسلق هاتين القمتين في رحلة واحدة.
وإلى جانب الإنجازات التي حققتها الشابة المغربية، تقول إنها تعلمت دروسا كثيرة من خلال الرحلات التي قامت بها، أبرزها أن "المرأة قوية بما يكفي، لتحقيق أهدافها، كيفما كانت"، مؤكدة أنه بالرغم "من أننا لدينا تقاليد و قوانين خاصة بنا، لكن لا يجب أن لا تشكل أمامنا حاجزا، لأننا ببساطة يمكننا الوصول إلى ما نريد".
وبعد تحقيقها لهذه الإنجازات، تطمح مريم الآن لمساعدة أشخاص آخرين لتحقيق أهدافهم، بمشاركة صورها وتجاربها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تشير إلى أنها "تريد دعم المتسلقين المستقبليين، الذين يريدون خوض نفس التجربة، عن طريق تشجيعهم من خلال تقاسم قصتي معهم".
من جهة أخرى، تخطط البطلة المغربية للقدوم إلى وطنها الأم من أجل تقاسم خبرتها مع منظمات وجمعيات محلية، تهتم برياضة تسلق الجبال.