يابلادي: ما الذي دفعك إلى مغادرة المغرب؟
محمد حجي: كانت المغادرة أمر طبيعي بالنسبة لي، فأنا لدي تكوين في المجال الصحفي، و بدأت العمل لما كنت في 18 من العمر بجريدة لوبينيون، وبعد ذلك اشتغلت بجريدة لوماتان أحرر مقالات بالصفحة المخصصة آنذاك للقضايا الدبلوماسية،وهي الصفحة التي لا تليق صراحة لشيء، إلا أنها مكنتني من معرفة البلدان الممثلة داخل المغرب عبر أعيادهم و احتفالاتهم، و كان ذلك سفرا في حد ذاته ، إذ مكنني من اكتشاف خصوصيات الطبخ الصيني و الروسي، و أيضا خصوصيات السينما البولونية، و الأكثر من ذلك، كان أبي قد شارك في حرب الهند الصينية، ولما كنت طفلا كان يتكلم لنا غالبا عن أسفاره إلى الفيتنام أو كامبدج.
لماذا اخترت البرازيل؟
م.ح: لقد سبق لي أن سافرت إلى أوروبا، و كنت دائما أفكر في السفر إلى البرازيل، و كنت آنذاك على اتصال مع سفارة البرازيل بالمغرب التي كانت تتوفر على نظام المنحة المخصصة للطلبة، بعد ذلك اقترحت علي السفارة منحة لإكمال الدراسة بسلك الماجستير تخصص تواصل و ثقافة، فقبلت عرضها بدون تردد، و عندما وصلت إلى هناك انبهرت بمستوى العيش في البرازيل و بالعلاقات الإنسانية و بحرارة الاستقبال، فالمجتمع البرازيلي جد منفتح و لا يطلب منك الكثير، و أن تصبح برازيليا شيء عادي، و اليوم كيف يمكنك أن تكون برازيليا؟ يكفيك فقط أن تتكلم اللغة البرتغالية، و إذا كنت أجنبيا و تتكلم هذه اللغة فأنت برازيلي، فأنا في بداية الأمر لم أكن أتكلم اللغة البرتغالية و كنت أتواصل فقط باللغة الفرنسية خلال السنة الأولى، إلا أنني بدأت أتعلم اللغة البرتغالية شيئا فشيئا.
ألم تكن لديك رغبة في العودة إلى المغرب بعد ذلك؟
م.ح: لما تسجلت بسلك الماجستير لم أكن أرغب في الاستقرار بالبرازيل، و عندما قضيت فترات شيقة هناك، قررت أن أتابع دراستي بسلك الدكتوراه تخصص تواصل و ثقافة، و بعد ذلك شاركت في المباراة التي نظمتها الجامعة الفيدرالية ريو دي جانيرو لأصبح أستاذا هناك، كانت مباراة صعبة و لكني اجتزتها بنجاح، و اليوم أعمل أستاذا في أكبر جامعة في البرازيل.
خلال العشرين سنة التي قضيتها بالبرازيل، ألم تكن تحس أنه فاتتك أشياء خلال تقدم المغرب؟
م.ح: لا، لأنني كنت أزور المغرب كثيرا، فخلال العشر سنوات الأولى لم ألاحظ أي تغير في المغرب، الشيء الذي أقلقني في البداية، و أعتقد أن المغرب بدأ يتغير منذ 7 أو 8 سنوات من الآن، حيث بدأ يتقدم بسرعة، ولما عدت إلى المغرب شعرت بأن المغرب لم يعد كما كان، و لاحظت ذلك في المطارات المغربية، فالعقلية المغربية هي التي تغيرت بالخصوص، هذا شيء غريب ولكن أظن أن المجتمع المغربي أصبح مجتمعا عاديا.
كيف هي العلاقات بين المغرب و البرازيل ؟
م.ح: إن الأمر بسيط، فالمغرب غير معروف بالبرازيل، و نظرا لغياب خط جوي مباشر بين البلدين، فإن المغرب يفقد فرصا مهمة في مجال الاستثمار و المبادلات، إذ تصل ساكنة البرازيل إلى 200 مليون نسمة و هي سادس أكبر بلد في العالم، و تستثمر في جميع أرجاء العالم، فأنا أتأسف لكون المغرب لا يحمل هذه المسألة محمل الجد، إننا نفقد الآن الصين و الهند و كذلك البرازيل، رغم أن الاستثمار البرازيلي يتبنى السياسة الإفريقية.
لا يوجد اليوم خط جوي مباشر بين البرازيل و المغرب، فكيف تأتي إلى المغرب؟
م.ح: أمر عبر بلدان أخرى ، و لكن هذا ليس مشكلا فبالنسبة للخطوط الجوية المغربية و هي الشركة التي بدأت تختفي بسبب طريقة تدبيرها، ليس من المعقول أن تجد العديد من التذاكر موزعة مجانا، و مما يجعلني أشمئز هو أنه عندما أركب طائرة مغربية، أرى أناس في صفوف الدرجة الأولى لا يدفعون ثمن التذكرة و تقدم لهم المضيفات الشراب، أما أنا فأسدد ثمنها، فعندما تكون أنت مثلا في أحد الصفوف من الدرجة الثانية فإنك لا تحظى بأي استقبال، و سواء تعلق الأمر بالخطوط الجوية المغربية أو بشركة جوية أخرى فيجب الحفاظ على العلاقة التي يمكن أن تكون بين المغرب و بين الكيانات التابعة له عبر العالم، و التي يستفيد منها المغرب في نهاية المطاف.
كم هو عدد المغاربة المقيمين بالبرازيل؟
م.ح: في الواقع، يوجد صنفين من الجالية، أولا هناك فئة اليهود المغاربة الذين قدموا إلى البرازيل في نهاية القرن 19 ، فهؤلاء الأشخاص تماهوا داخل المجتمع البرازيلي وهم قريبون من اشكنازي (رئيس الأركان التاسع عشر لجيش الدفاع الإسرائيلي) ، و قليل منهم يتكلم باللهجة المغربية، و هناك أيضا الفئة الأخرى التي تضم المغاربة الذين قدموا مؤخرا ، فهم قليلون ولا يتعدون 2000 فردا، و في واقع الأمر فهم غير مسجلين بالقنصليات.
ما الذي تشتاق إليه في المغرب؟
م.ح: أشتاق إلى أمي التي لا تأتي إلى البرازيل غالبا، و تزور أخي في نيويورك بكثرة، أما أنا فأراها غالبا قي المغرب.
و كيف هي حياتك الشخصية بين هذا كله؟
م.ح: لقد قمت، بطبيعة الحال، بربط عدة علاقات في البرازيل، و أقمت علاقة حب مع فتاة برازيلية، التي صارت حامل فيما بعد، و بعد ذلك تزوجت مرة أخرى من امرأة برازيلية كذلك، أما ابنتي فتعيش مع أمها، و إذا كان من شيء يربطني اليوم بالبرازيل فهو علاقتي بابنتي، فمن قبل لم تكن لي أية صلة بالبرازيل و لكن ها أنا قد صنعتها، فهناك عدة فرص للعمل بعيدا عن ريو دي جانيرو و لكنني دائما أرفضها لأنني لا أريد أن أعيش بعيدا عن ابنتي، فهي تبلغ اليوم 15 سنة ، و اسمها عربي و هو كنزة، و إذا طلبت منها من أنت، أجابتك، أنا أمازيغية و مسلمة ( ضحك)، بالرغم من أنها تسكن في مكان فيه فئة قليلة من المسلمين، و لكن بالنسبة لها من الضروري أن تقول أنا مسلمة.
هل تعرف ابنتك المغرب ؟
م.ح: أظن أن المغرب هو ما ينقصها في بحثها عن هويتها، و لقد جاءت إلى هنا قبل بضعة أشهر و أعجبها المغرب كثيرا، و كان ذلك مدهشا لأن بمجرد وصولها إلى المغرب أصبحت مغربية في سلوكها و في عاطفيتها رغم أنها لا تتكلم الفرنسية و لا العربية، فهي تتواصل باللغة الانجليزية مع الأطفال و تتكلم بلغة عاطفية مع جدتها عندما تعانقها مثلا.
هل تحمل ابنتك الجنسية المغربية؟
م.ح: للأسف لا، لأنني لم أتزوج وفق الدين الإسلامي، و حسب ما وافاني به الإطار الديني، لأن ذلك ضروري لنقل الجنسية إلى الأطفال، و هو الشيء الذي اعتبره غير عادل.