خلال العقد الثاني من القرن العشرين، أعلن الزعيم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي عن تأسيس جمهورية الريف، بعد إلحاقه هزائم متوالية بالجيش الإسباني، وهو ما جعل فرنسا التي كانت تحتل أجزاء كبيرة من المغرب بموجب معاهدة الحماية، تتخوف من الخطابي، لتقرر الانضمام إلى إسبانيا في مواجهته.
وشكل صمود الخطابي وأنصاره أمام فرنسا وإسبانيا، حالة نادرة في تاريخ الحروب الاستعمارية في العالم، وهو ما دفعهم للاستعانة بخدمات طيارين أمريكيين سابقين.
وهاجم الطيارون الأمريكيون تحت قيادة المغامر تشارلز سويني مدينة شفشاون، في محاولة منهم لتركيع الزعيم السياسي والعسكري للريف، في شتنبر 1925.
وفي كتابهما "تشارلز سويني، الرجل الذي ألهم همنغواي" قال الكاتبان الأمريكيان تشارلي روبيرت و تشارلز هيس، إنه قبل أشهر من القصف، قام عبد الكريم بـ "خطأ فادح"، حيث قام في أبريل 1925، بمهاجمة المواقع العسكرية الفرنسية، في محاولة منه لجعل القبائل الجنوبية تنضم إلى جيشه لمحاربة القوى الاستعمارية، إلا أن هذه الخطوة انعكست سلبا عليه.
فقرار الخطابي، دفع الفرنسيين إلى توحيد صفوفهم مع إسبانيا ضد قبائل الريف، و"في هذه المرحلة من حرب الريف، اقترح سويني (...) على رئيس الوزراء الفرنسي بول باينليف ارسال عدد من الطيارين الأمريكيين لدعم المجهود الحربي الفرنسي في المغرب". حسب ما جاء في الكتاب نفسه.
وأشار موقع "كود أند داجر" إلى أن سويني أراد من خلال تقديمه هذا الاقتراح تجنب الملل، بشنه معركة تبقيه مشغولا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
وأوضح الكتاب نفسه، نقلاً عن سجلات في المركز التاريخي للجيش الفرنسي في فينسينس، أن بول باينليف رحب "بحرارة بطلب العقيد".
وفي يونيو 1925، شرع سويني في تنفيذ مغامرته الجديدة وأرسل برقية إلى المحاربين القدامى الأمريكيين الذين قاتلوا في الحرب العالمية الأولى، ومن بينهم بول إيريس روكويل، الذي سبق له أن حارب مع سويني في الفيلق الأجنبي الفرنسي.
وكتب سويني في رسالة لزميله السابق الذي وافق بدوره على أن يكون ضمن السرب، "إنه اقتراح إعادة إحياء فرقة لافاييت إسكادريل، للخدمة في المغرب، وهو ما سيجمع نصف الأعضاء القدامى فهل ترغب في الانضمام أنت أيضا".
وقال الكاتبان الأمريكيان إنه "بحلول شهر يوليوز، جمع سويني 17 متطوعًا، من بينهم 12 طيارًا، شقوا طريقهم إلى المغرب".
لكن فريق سويني لم يكن موضع تقدير من قبل الحكومة الأمريكية، حيث أمرت قنصلها في المغرب بـ"تقديم النصح للأمريكيين الذين يخاطرون بفقدان جنسيتهم الأمريكية، وسجنهم وتغريمهم إذا استمروا في القتال ضد شعب لا يوجد أي خلاف بينه وبين الولايات المتحدة"، حسب الكتاب نفسه.
وأشار موقع "كود أند داجر" إلى أن هذه التحذيرات لم تمنع سويني من قصف مدينة شفشاون، فبالنسبة له، كانت فرنسا "تحارب دفاعا عن قضية حضارة الرجل الأبيض، وكل أعضاء السرب يعرفون بما يكفي العالم ليقدروا جيدا ما تعنيه حضارة الرجل الأبيض".
وأوضح الكاتبان الأسباب التي أدت إلى اختيار مدينة شفشاون كهدف من قبل الفرنسيين، نقلا عن روكويل الذي قال "كان هدفنا هو شفشاون، مدينة رجال القبائل المقدسة في جبالة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 7000 نسمة".
وأضاف أن شفشاون "لم يتم قصفها من قبل، وبسبب مكانتها وقدسيتها، فإنه كان من المتوقع أن يؤدي ذلك الهجوم الجوي إلى تخويف قبائل جبالة وأن يكون له مفعول إيجابي في فصلهم عن عبد الكريم".
وقال بول روكويل إنني "ندمت على مهاجمة بلدة لطالما حافظت على استقلالها باستثناء بضع سنوات من الاحتلال الأسباني"، وتابع حديثه في وصفه جمال شفشاون أثناء وقت القصف بالقول "بدت المدينة جميلة من أعلى الجو، وهي تعانق جبلها المرتفع وتحيط بها العديد من الحدائق والمساحات الخضراء ... لمحت من الأعلى العديد من المحميات، بالإضافة إلى ستة مساجد، وبناية من العصور الوسطى، وساحة كبيرة بها نافورة يتناثر بها الماء في الفضاء، كنت أتمنى لو لم يتخرب أي شيء منها".
أسقط هذا القصف مجموعة من الضحايا المدنيين، واستنكرت مجموعة من الوسائل الإعلام الأمريكية وكذا الحكومة الأمريكية هذا الهجوم، الذي يعتبر واحدًا من أولى الهجمات ضد المدنيين بواسطة الطائرات، وهو ما أجبر فرنسا على حل الوحدة العسكرية التي نفذته، بعد ستة أشهر فقط من بدء عملها.
وأشارت وكالة "أسوشييتد بريس" في حينه إلى أن المحاربين القدامى الأمريكيين، المتورطين في مهاجمه شفشاون، "انتهكوا قوانين الحياد الأمريكية".