لايحتاج الناظر الى المشهد الليبي لكثير من التدقيق ليعرف ان التطورات الاخيرة للأحداث حول طرابلس سيكون لها تداعيات مهمة وطويلة المدى على دول الاتحاد المغاربي خاصة ، والمحيط الافريقي والعربي عامة ، ذلك ان الطرف الذي سيحسم المعركة بطرابلس لصالحه سوف يحدد هوية ليبيا لعقود مستقبلة.
فاما ان تبقى دولة فاعلة في محيطها المغاربي ، ذات تاثير ايجابي رسميا وشعبيا وهذا في حال ما اذا تمكنت قوات حكومة الوفاق من حسم السيطرة بطرابلس وإقليم الغرب، على اقل تقدير، وبصورة اكثر فاعلية ان استطاعت ارغام قوات حفتر على الانكماش ليعود الى حاضنته برقة.
وإما ان تصبح ليبيا ولأول مرة منذ عقود جزءا تابعا للمشرق العربي وبالتحديد لمصر ، وهذا إن سيطر حفتر الذي يعد جنديا من جنود عبد الفتاح السيسي وتعتبر قواته احد الألوية التابعة للجيش المصري.
ويمكننا القول بوضوح ان هناك فضائين يتنازعان ليبيا الان ، الفضاء المغاربي ، الذي يعمل بقوة ومنطقية على الحفاظ على امنه واستقراره ، وعلى التاثير الايجابي في دول الجوار الافريقي، والفضاء الشرقي الذي تمثله مصر وتتحكم فيه عواصم الخليج ، والذي يسعى لتجذير كل نفوذ جديد له لكسب اوراق جديدة تمنكنه من اللعب في منطقة الشرق الأوسط ليس لصالح قضية فلسطين ، بل لضمان الرضا التام من اللاعبين الدوليين الذين يبحثون عن وكيل يوفر لهم الحد الأردني من عدم المساس بأمن إسرائيل
القضية الليبية ليست داخلية ، ولن تحصرها الحدود ، ومن ظن ذلك فهو واهم ، والنفوذ المصري ، لو قدر له ان يبسط سيطرته على ليبيا عن طريق حفتر ، فلن يكتفي بذلك ، فشهية 95 مليون مصري لن تقف في صحراء ليبيا ، وسنسمع عن القلاقل والاضطرابات والابتزاز سينتقل مباشرة الى تونس بالدرجة الاولى ثم الجزاير والمغرب وموريتانيا.
هذا الامر ليس من باب التكهن، ولا التخويف ولا التهويل بل امر حتمي يؤكده تاريخ العسكر عندما يسيطرون على دولة مجاورة، وتؤيده الترويكا العجيبة التي تجمع بين جنرالات مصر وضباطهم في ليبيا وبين حكام الامارات والسعودية الذين اصبحوا يتعاملون بسادية ووحشية ترفض استقرار او هناء اي دولة من الدول، فيحرصون على القيام بانقلاب في الأردن والتجسس على المغرب وسكب البنزين على النار في الجزاير، ليستمتعوا هم بصراعات الشعوب الكادحة.
ان الدول المغاربية ، واخص بالذكر الدولتين الفاعلتين المغرب والجزائر ، عندما تسعيان لاستقرار الامر في ليبيا وابعاد شبح سيطرة حفتر على العاصمة، انما تضمنان المحافظة على البيت الداخلي للفضاء المغاربي، وصيانة راس المال أولا.
لذلك، فان اي موقف يسير في اتجاه المحافظة على ليبيا سيكون رصيدا لدول المغرب العربي، واي تاخير في ذلك انما هو تفريط في البوابة الأمامية لهذا الاتحاد المغاربي وستتبعه بلا شك انفراط في العقد ، ولو بعد حين.