القائمة

أخبار

الملك محمد السادس و البابا فرانسيس يدعوان إلى مواجهة التطرف والتعصب

حل نهار اليوم البابا فرانسيس بالمغرب في زيارة تستمر ليومين، وخصص له استقبال رسمي وشعبي كبير، وألقى الملك والبابا خطابا بباحة مسجد حسان بالرباط أكدا فيه على ضرورة مواجهة التطرف والتعصب.

(مع و م ع)
نشر
البابا فرانسيس إلى جانب الملك محمد السادس
مدة القراءة: 8'

 أكد الملك محمد السادس، أن الديانات السماوية الثلاثة وجدت "للانفتاح على بعضها البعض" بهدف مواجهة التطرف من خلال التعارف، وهو ما يمكن من التصدي لتحديات الحاضر عن طريق التربية.

وشدد في خطاب ألقاه اليوم السبت بباحة مسجد حسان بمناسبة الزيارة الرسمية للبابا فرانسيس للمغرب، على أهمية التربية، باعتبارها السبيل الوحيد لمواجهة التطرف، الذي مصدره "انعدام التعارف المتبادل، والجهل بالآخر، بل الجهل، وكفى".

وأكد في هذا الصدد على أنه "لمواجهة التطرف بكل أشكاله، فإن الحل لن يكون عسكريا ولا ماليا؛ بل الحل يكمن في شيء واحد، هو التربية"، مشيرا في هذا الصدد إلى أن "الحوار بين الديانات السماوية، يبقى غير كاف في واقعنا اليوم". 

وقال الملك محمد السادس "فدفاعي عن قضية التربية، إنما هو إدانة للجهل. ذلك أن ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوما الدين".

ودعا الملك، بهذه المناسبة، إلى إيلاء الدين مجددا المكانة التي يستحقها في مجال التربية، مضيفا أنه "ليس الدين هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين".

وبعد أن أشار إلى أن الدين نور ومعرفة وحكمة، وأن الدين يدعو بطبيعته إلى السلام، أكد أنه "حان الوقت لرفض استغلال الدين كمطية للجهلة، وللجهل وعدم التسامح، لتبرير حماقاتهم".

وأكد أن زيارة البابا فرانسيس للمغرب تأتي في سياق يواجه فيه المجتمع الدولي، كما جميع المؤمنين، تحديات كثيرة، وهي تحديات من نوع جديد، تستمد خطورتها من خيانة الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها، وذلك من خلال الانسياق وراء سياسة رفض الآخر، فضلا عن أطروحات دنيئة أخرى.

وأبرز أنه "في عالم يبحث عن مرجعياته وثوابته، فقد حرصت المملكة المغربية على الجهر والتشبث الدائم بروابط الأخوة، التي تجمع أبناء إبراهيم عليه السلام، كركيزة أساسية للحضارة المغربية، الغنية بتعدد وتنوع مكوناتها"، مضيفا أن التلاحم الذي يجمع بين المغاربة، يشكل بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم، نموذجا ساطعا في هذا المجال.

وتابع أن هذا التلاحم هو واقع يومي في المغرب، وهو ما يتجلى في المساجد والكنائس والبيع، التي ما فتئت تجاور بعضها البعض في مدن المملكة.

وأكد "وبصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية. وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين، على اختلاف دياناتهم".

 وأضاف "وبهذه الصفة، لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام، وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين. فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية. وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب".

 وفي هذا الصدد، ذكر الملك بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء و معهد محمد السادس لـتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات الذي يحتضن شبابا من العديد من البلدان الإفريقية والأوروبية.

وقال، ولأن المحبة من صفاته، عز وجل، أيضا، "فقد بادرنا طوال سنوات حكمنا، بالعمل على القرب من الفئات الأكثر فقرا وهشاشة" مذكرا جلالته في هذا السياق بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، منذ 14 عاما، بهدف تحسين ظروف عيش الأشخاص الذين يعانون من الفقر والهشاشة، وإدماج من يعانون من الإقصاء، وتوفير سكن للمشردين، وإعطائهم الأمل في مستقبل يضمن لهم الكرامة.

وأكد الملك أن هذه القيم توجد في صلب الفلسفة التي ترتكز عليها سياسة الهجرة واللجوء، التي اعتمدها المغرب الذي يتطلع إلى أن تكون سياسة "تضامنية" بالأساس. 

ومن جهة أخرى، أبرز الملك محمد السادس، أن لقاءه اليوم بالبابا فرانسيس بالمغرب " يرسخ قناعة مشتركة، مفادها أن القيم التي ترتكز عليها الديانات التوحيدية، تساهم في ترشيد النظام العالمي وتحسينه، وفي تحقيق المصالحة والتقارب بين مكوناته".

وفي هذا السياق، أكد أنه "بصفتي أمير المؤمنين، فإني أرفض مثل قداستكم، سلوك اللامبالاة بجميع أشكالها. كما أحيي شجاعة القادة الذين لا يتهربون من مسؤولياتهم، إزاء قضايا العصر الكبرى."

وأضاف الملك "إننا نتابع باهتمام وتقدير كبيرين، الجهود التي تبذلونها خدمة للسلم عبر العالم، وكذا دعواتكم المستمرة إلى تعزيز دور التربية والحوار، ووقف كل أشكال العنف، ومحاربة الفقر والفساد، والتصدي للتغيرات المناخية، وغيرها من الآفات التي تنخر مجتمعاتنا".

وتابع "فرسائلنا تتسم بطابعها الراهن والأبدي في آن واحد. وهي تدعو الشعوب إلى الالتزام بقيم الاعتدال، وتحقيق مطلب التعارف المتبادل، وتعزيز الوعي باختلاف الآخر".

 خطاب البابا فرانسيس

من جانبه أكد البابا فرانسيس، أن زيارته للمغرب تشكل مدعاة فرح وامتنان، وفرصة هامة لتعزيز الحوار بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني الديانتين.

وقال البابا إن "هذه الزيارة بالنسبة لي مدعاة فرح وامتنان لأنها تسمح لي، قبل كل شئ، أن أكتشف غنى أرضكم وشعبكم وتقاليدكم"، مشيرا إلى أن هذا "الامتنان يتحول إلى فرصة هامة لتعزيز الحوار بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني ديانتينا، فيما نحيي ذكرى اللقاء التاريخي -في مأويته الثامنة- بين القديس فرنسيس الأسيزي والسلطان الملك الكامل".

وأكد البابا أن "هذا الحدث النبوي يظهر أن شجاعة اللقاء واليد الممدودة هما سبيل للسلام والتناغم للبشرية، حيث يشكل التطرف والحقد عاملين للانقسام والدمار"، معربا عن أمله في "أن يساهم التقدير والاحترام والتعاون بيننا في توطيد روابط الصداقة الحقيقية، كي تتاح الفرصة أمام جماعاتنا لإعداد مستقبل أفضل للأجيال الصاعدة".

كما اغتنم مناسبة زيارته للمغرب "الذي يشكل جسرا طبيعيا بين قارتي إفريقيا وأوروبا"، للتأكيد على ضرورة توحيد الجهود من أجل إعطاء دفع جديد لعملية بناء عالم أكثر تضامنا، وأكثر التزاما في الجهد النزيه والشجاع والضروري لحوار يحترم غنى وخصوصيات كل شعب وكل شخص.

وقال في هذا السياق "وهذا تحد علينا أن نواجهه جميعا، خصوصا في هذا الزمن الذي قد تتحول فيه الاختلافات وسوء الفهم المتبادل، إلى أسباب للسجال والتشرذم"، مؤكدا أنه، ومن أجل المشاركة في بناء مجتمع منفتح وتعددي ومتضامن، يتعين تطوير ثقافة الحوار وتبنيها باستمرار وبدون تراجع، كدرب ينبغي اتباعها، وتبني التعاون المشترك كسلوك، والتعارف المتبادل كنهج ومعيار.

وأكد البابا أن هذا "هو الدرب الذي نحن مدعوون لاتخاذه دون كلل، كي نساعد بعضنا البعض على تخطي التوترات وسوء الفهم، والأقنعة والصور النمطية التي تقود دوما إلى الخوف والتصادم، وهكذا نفتح الطريق أمام روح من التعاون المثمر والمتسم بالاحترام"، معتبرا أنه من الضروري مجابهة التعصب والأصولية عبر تضامن جميع المؤمنين.

وأبرز في هذا الصدد الدور الذي يضطلع به معهد محمد السادس للأئمة المرشدين والمرشدات في التنشئة الملائمة والسليمة ضد كل شكل من أشكال التطرف الذي غالبا ما يقود إلى العنف والإرهاب، ويمثل، في جميع الحالات، إساءة إلى الدين وإلى الله نفسه.

من جهة أخرى، ذكر البابا فرانسيس بكون المؤتمر الدولي حول حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية، الذي عقد بمراكش في يناير 2016، قد سمح بشجب كل استخدام لأي دين بهدف تبرير التمييز أو التهجم على باقي الأديان.

وتطرق البابا، أيضا، لإنشاء معهد الموافقة المسكوني لعلم اللاهوت في الرباط، في العام 2012، وهي المبادرة الجديرة بالثناء التي تعبر عن رغبة المسيحيين المقيمين بالمغرب في بناء جسور للتعبير عن الأخوة البشرية وخدمتها.

وأشار من جهة أخرى إلى أن المؤتمر الدولي حول التغيرات المناخية، كوب 22 COP، الذي عقد في المغرب، أظهر مرة أخرى وعي العديد من الدول بضرورة حماية الكوكب، مؤكدا أنه "سويا، وفي حوار صبور ورشيد وصريح وصادق، باستطاعتنا أن نأمل في إيجاد أجوبة ملائمة، من أجل تغيير مسار الاحتباس الحراري والنجاح في استئصال الفقر".

وفي تطرقه لأزمة الهجرة الخطيرة التي يواجهها العالم اليوم، شدد البابا فرانسيس على ضرورة إطلاق دعوة ملحة إلى البحث عن الوسائل الملموسة من أجل استئصال الأسباب التي تجبر أشخاصا كثيرين على هجر بلادهم، وعائلاتهم، وغالبا ما يجدون أنفسهم مهمشين ومنبوذين، مذكرا بانعقاد المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، في دجنبر المنصرم بالمغرب، والذي تبنى وثيقة تبتغي أن تكون نقطة مرجعية للمجتمع الدولي بأسره.

ودعا في هذا الصدد إلى اتخاذ خطوات ملموسة، وتغيير الموقف، بنوع خاص، حيال المهاجرين كي يعاملوا كأشخاص، لا كأرقام، ويتم الإقرار بحقوقهم وكرامتهم، من خلال الأفعال الملموسة والقرارات السياسية، معربا عن أمله في أن يبقى المغرب، الذي استضاف هذا المؤتمر بجهوزية كبيرة وحسن ضيافة، نموذجا للإنسانية -وسط الجماعة الدولية- بالنسبة للمهاجرين واللاجئين كي ينالوا، هنا كما في أماكن أخرى، الضيافة الإنسانية والحماية، وكي تحسن أوضاعهم ويتم دمجهم بكرامة.

وقال البابا إن الأمر يتعلق بظاهرة لن تحل على الإطلاق من خلال بناء الحواجز، ونشر الخوف من الآخر أو رفض مساعدة من يطمحون بطريقة مشروعة إلى تحسين أوضاعهم وأوضاع عائلاتهم.

وأضاف أن إرساء أسس سلام حقيقي، يمر عبر البحث عن العدالة الاجتماعية، التي لا مفر منها من أجل تصحيح الخلل الاقتصادي والسياسي الذي كان وما يزال عنصرا أساسيا للتوتر وعامل تهديد بالنسبة للبشرية بأسرها.

وخلص البابا بالقول إن المسيحيين فرحون بالمكانة التي خصصت لهم داخل المجتمع المغربي. إنهم يريدون أن يقوموا بدورهم في عملية بناء أمة متضامنة ومزدهرة، وهم حريصون على الخير العام للشعب.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال