رأت مليكة الفاسي النور بمدينة فاس، في 19 يناير من سنة 1919، في بيت عرف باهتماماته الثقافية و العلمية، وحرص والدها المهدي الفاسي، الذي يعتبر من الطبقة البرجوازية، منذ نعومة أظافرها على أن تنال نصيبها من العلم إسوة بإخوتها الذكور.
مناضلة نسائية في الأربعينيات
وفي سن الخامسة عشرة، كتبت الفاسي أولى مقالاتها الصحافية، ونشرتها في مجلة "المغرب" الشهرية ثم جريدة "العلم" باسم مستعار هو"الفتاة" ثم فيما بعد "باحثة الحاضرة"، حيث جاء في كتاب "المرأة والكتابة" لصاحبته رشيدة بنمسعود "لقبت مليكة الفاسي نفسها بباحثة الحاضرة متأثرة بملك حفني ناصف، إحدى رائدات النهضة النسائية المصرية التي كانت تلقب بباحثة البادية".
وتضيف رشيدة بنمسعود في كتابها أن فن القصة استأثر "باهتمام السيدة مليكة فجاءت قصصها معالجة لوضع الفتاة المغربية"، وكانت مقالاتها عموما تعالج قضايا المرأة المغربية، وكانت تدافع عن تحرر النساء، من العادات والتقاليد التي تبقيهن في مرتبة دنيا مقارنة بالرجال.
وبذلك كانت مليكة الفاسي تتزعم حركة النهوض بالمرأة المغربية، وتطالب بإدماج الفتاة المغربية في الحياة العصرية، والسماح لها بمتابعة دراستها بجامعة القرويين في الأربعينيات والخمسينات من القرن الماضي. كما كانت تعتبر رمزا من رموز النضال النسائي المتعدد الأوجه.
وفي سنة 1941 نشرت في مجلة "الثقافة المغربية"، قصة تحت عنوان "الضحية" تتحدث فيها عن موضوع الزواج التقليدي الذي ينتج عن محاولة فرض إرادة العائلة على الفتاة، خاصة فيما يتعلق باختيارها لشريك حياتها، حيث نجد أن "فاطمة" بطلة القصة أمام إصرار الأهل على زواجها برجل يكبرها سنًا ستلجأ إلى الفرار ومغادرة البلد بحثًا عن الخلاص، مما سيؤدي بها إلى السقوط في أحضان الدعارة. بحسب ما جاء في مقال لرشيدة بنمسعود نشر في مجلة العربي (أبريل 2005).
امرأة تلج العمل السياسي
في سنة 1937 ولجت مليكة العمل السياسي من باب مقاومة المستعمر، فانضمت إلى الحركة الوطنية، ثم التحقت بالحزب الوطني، ثم حزب الاستقلال.
وعرفت مليكة الفاسي التي تزوجت محمد الفاسي، وهو أول وزير للتعليم بمغرب ما بعد الاستقلال، بكونها المرأة الوحيدة التي وقعت على عريضة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير من سنة 1944، وعمرها لم يكن يتجاوز آنذاك 25 ربيعا، وجاء في كتاب "محمد الفاسي نضال الثقافة والسياسة" للكاتبة حبابي فاطمة الجامعي "قدمت وثيقة الاستقلال سنة 1944 وقد كان من الذين أشرفوا على تحريرها والموقعين عليها هو (محمد الفاسي زوج مليكة الفاسي) وحرمة لالة مليكة".
وشكلت الوثيقة منعطفا حاسما في تاريخ النضال ضد المستعمر الفرنسي، حيث سلمت إلى سلطات الحماية الفرنسية، كما تم تسليم نسخ منها إلى المقيم العام غابرييل بيو وإلى القنصلين العامين لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة وإلى الجنرال ديغول وسفير الاتحاد السوفيتي بالجزائر الفرنسية.
مليكة الفاسي ومحمد الخامس
في سنوات الأربعينات، تحول منزل مليكة الفاسي، إلى مكان لاجتماع قادة الحركة الوطنية، وكانت تلعب دورا هاما في نقل المعطيات إلى السلطان محمد الخامس، ويروي الكاتب أبو بكر القادري في كتابه "مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية"، أن مليكة الفاسي كانت "تتقد غيرة وحماسا ووطنية، وكانت العضد الأيمن والمساعد الأوثق لزوجها، وكانت تتبع النشاطات الوطنية، تتبع المخلصين الملتزمين، وزاد نشاطها عندما انضمت وكانت المرأة الوحيدة إلى الطائفة وهي الجناح السري في الحزب الوطني".
ويضيف الكاتب ذاته أن مليكة كانت "موضع ثقة من الحزب، ولذلك خصت وحدها دون غيرها من النساء الوطنيات بالالتحاق بالجناح السري، بعدما أقسمت اليمين على المصحف الشريف بكتمان الأسرار الوطنية والسياسية، ومنها الاتصال السري والمنظم مع محمد الخامس رحمه الله".
ويشير موقع "أصوات مغاربية" إلى أن السلطان محمد الخامس كان يزورها متخفيا للتنسيق والاجتماع، فانتدبها أعضاء الحركة لقربها منه ومن زوجته عبلة، لتلتقي به وتستقصي الأخبار وتخبره بما ينوي الوطنيون القيام به.
ذات المصدر أكد أن الفاسي كانت آخر من التقى بالسلطان محمد الخامس قبل نفيه يوم 19 غشت 1953، إذ تحكي ابنتها فاطمة الزهراء كيف أنها كانت تتجنب الشبهات لتخترق أسوار حي "التواركة"، حيث الإقامة الملكية، وتكون صلة وصل بين الحركة الوطنية والملك في تبادل الرسائل والمعلومات.
وأكدت ابنتها أنها "صافحته وأعطته العهد على المقاومة إلى آخر رمق فبارك اختيارات الحركة ثم ودعته، وبعد عودته ونزوله من الطائرة كانت أول من التقى به وصافحته مرة أخرى ليذكرها ويشكرها على حفظ العهد".
من السياسة إلى العمل الجمعوي
بعد نيل المغرب استقلاله عن المستعمر الفرنسي سنة 1956، واصلت مليكة الفاسي دفاعها عن المرأة المغربية، وعينت بظهير شريف ضمن اللجنة المركزية المشرفة على التعاون الوطني، وساهمت في إنشاء العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية، وأسست مع جماعة من الوطنيات، جمعية المواساة بالرباط لإيواء البنات اليتيمات، ومن ثمرات تحركها، إحرازها على وسام من منظمة اليونيسكو.
كما أنها قدمت مذكرة إلى الملك محمد الخامس من أجل منح المرأة حق التصويت، وإعطاء أوامره بفتح فرع خاص للطالبات يكون تابعا للقرويين.
وفي سنة 2005، حصلت على وسام العرش من درجة ضابط كبير، وفي 11 ماي من سنة 2007، غادرت الفاسي الحياة الدنيا، ووريت الثرى بضريح الحسن الأول بالرباط إلى جانب زوجها.