تراجعت مرتبة المغرب في التصنيف العربي للديمقراطيات الناشئة بعد النجاح الباهر الذي حققته انتخابات البلد الشقيق والجار تونس من حس ومسؤولية قل نظيرها في المنطقة العربية. ومضت انتخابات تونس في بلورة أهداف وآمال ثورة الياسمين من بدء الاقتراع إلى الإعلان عن النتائج، دون أن يرتفع صوت للتنديد بالتزوير أو التلاعب في سير الانتخابات ونتائجها. وكانت أولى تصريحات قادة حزب النهضة ذي التوجه الإسلامي في تونس تتمحور حول السعي إلى ربط التحالفات مع أحزاب يسارية و"علمانية" في إطار ما أسماه الحزب بالكتلة الوطنية.
لا شك أن ما حصل في تونس من زحف حقيقي نحو الديمقراطية سوف يفقد المغرب بعضا من "بريقه" الديمقراطي الذي دأبت الدولة على تسويقه خارجيا منذ أمد بعيد، وسيفتح أمام المراقبين نوافذ كثيرة للمقارنة بين النسخ المختلفة من الديمقراطيات العربية الناشئة وفرز الجيد منها والرديء.
ولا ندري كيف ستكون آراء المراقبين من الداخل والخارج إن طلع مزوار وأصدقائه من صناديق الاقتراع فائزين في انتخابات 25 نونبر، لاسيما إذا خرج العدالة والتنمية ليفصل من جديد في الخروقات التي عرفتها عملية الاقتراع هنا وهناك، وتحفظت جمعيات حقوقية وسياسية مراقبة على منح صفة النزاهة الكاملة للعملية الانتخابية.
ولن يمنع أحد تحاليل وملاحظات ستتم صياغتها يستغرق أصحابها في البحث عن أصدقاء الهمة في قائمة الفائزين، وعن وجوه الأمس التي رفضت الرحيل وما تزال متشبثة بالمقعد النيابي حتى وإن توالت السنوات والعقود.
في تونس أجمع الكل على أن انتخابات المجلس التأسيسي كانت حقيقية، أي أنها كشفت الوزن الحقيقي للقوى السياسية في المشهد السياسي والحزبي، على الرغم من أن حزب بن علي الحاكم حاول العودة من جديد من خلال الأحزاب الصغيرة. وإذا حاولنا أن نقارن قليلا بما لدينا يمكن أن نجازف بالتنبؤ بأن الحزب المفترض فوزه أو تقدمه في انتخابات المغرب المقبلة هو حزب الثمانية، بأربعة أحزاب أو خمسة يجمع بينها أنها أحزاب ذات تاريخ إداري، حكمت الدولة من خلالها المغرب وتحكمت في سياساته وقراراته، دون أن يكون لهذه الأحزاب أي استقلال يذكر عن السلطة وترتيباتها.
مجموعة الثمانية يقول مؤسسوها أنها جاءت لمواجهة "المد الإسلامي" التشكيكي، دون أن يمضون إلى التخلص التام من وظيفة أساسية لمجموعة الثمانية هي أنها أسست لكبح أي تفعيل حقيقي للدستور الجديد، في تدعيم الفصل بين السلطات وتخليق الحياة العامة.
في المغرب هناك خاصية عامة أشار إليها جل علماء السياسة هي أن الدولة المغربية في الوقت الذي تعلن فيه عن الإصلاحات والمبادرات الشجاعة، فهي لا تأل جهدا في المقابل في إفراغ هذه الإصلاحات من رهاناتها، وتفعيلها بالحجم الذي لا يضمن الانتقال الحقيقي للسياسة إلى الأفق الديمقراطي المطلوب. حين قامت الدولة بإصلاح الدستور ودعت إلى مراقبة وملاحظة الانتخابات، خرجت مجموعة الثمانية لترافق ذلك وتسهر عليه. كما هو الشأن حين قامت بتحرير الاقتصاد وتحكمت في عمليات التحرير والخوصصة.