بعد شروع المقاومين في تشكيل خلايا جيش التحرير من أجل مقاومة الاستعمار الفرنسي، ابتداء من 1951 باكزناية و1952 بمرموشة، كانت أولى المهام التي وضعوها أمامهم هي البحث عن مصادر للسلاح والتدريب عليه.
لكن هذه المهمة لم تكن بالهينة أو البسيطة، فالخلايا التي كانت في طور التشكل حرصت على السرية إلى أقصى الحدود حتى لا تنكشف أنشطتها وتحركاتها للمستعمر، الذي كان يراقب كل صغيرة وكبيرة ويحسب أنفاس المغاربة.
ومن جملة المعطيات والأحداث التي دفعت السلطات الاستعمارية إلى التوجس واليقظة من إمكانية تحرك المغاربة وتنظيمهم للكفاح المسلح، معرفتها بمدى تأثير محمد بن عبد الكريم الخطابي في اتجاه استنهاض مشروع التحرر والاستقلال، فما فتئ يدعو منذ نزوله بمصر سنة 1947 إلى ضرورة حمل السلاح من أجل مقاومة المستعمر في شمال إفريقيا وشرع عمليا في التحضير من خلال "لجنة تحرير المغرب العربي". وكان لانطلاق عمليات جيش التحرير الوطني الجزائري في سنة 1954 ما يزكي هذا التوجس لدى الاستعمار الفرنسي.
كما تعززت هذه المخاوف مع اكتشاف المستعمر لعدد من خلايا المقاومة في المدن كالدار البيضاء والرباط ومراكش، التي سارعت إلى قمعها واعتقال عدد من أعضائها، ولجوء عدد منهم إلى الشمال خصوصا إلى العرائش والقصر الكبير وتطوان ثم إلى الناظور حسب مذكرات عدد من المقاومين ومن بينها مذكرات عبد الله الصنهاجي.
لكن مع اكتشاف وإجهاض السلطات الاستعمارية لعدد من الخلايا في نهاية 1954 وبداية 1955 والتي كانت منتشرة من مكناس إلى الراشدية ومنها إلى ورززات، ومن خنيفرة في اتجاه بني ملال وجبال أزيلال قبل انطلاقها المحدد في 9 مارس 55، حسب ما ذكره محمد الخواجة في مداخلة (غير منشورة) بعنوان "فرنسا وهاجس انطلاق حركة تحريرية بالمغرب" (بندوة نظمتها كل من "جمعية أكنول للتنمية والثقافة وحفظ الذاكرة" و"جمعية بورد للتنمية والرياضة للجميع" و"جمعية اجدير اكزناية" يومي 17 و18 ونونبر2017)، أصبحت مخاوفها أمرا واقعا: البادية تتحرك في اتجاه حمل السلاح كما ذكر محمد الخواجة.
لهذا كان المستعمر يقظا جدا ويرصد كل التحركات من خلال مخبريه وأعوانه وعملائه في كل قرى ومناطق المغرب، توجسا من استنهاض البادية المغربية للمقاومة المسلحة.
"السلاح خذوه من مخازن العدو"
أمام هذه المعطيات كانت خلايا جيش التحرير، الحريصة بشكل كبير جدا على سريتها، أمام مهمة صعبة جدا للتزود بالسلاح ومحفوفة بالمخاطر، وتعقدت أكثر باشتراط "علي بوطاهر أقضاض"، مؤسس جيش التحرير، أن يكون مصدر السلاح "بريء من اتهام الغرب لنا بأننا نتحرك لصالح الشرق الشيوعي" كما ذكر عبد العزيز الدوائري في مذكراته.
كما أن محمد عبد الكريم الخطابي كان يردد دائما على مسامع كل المقاومين الذين كانوا يزورونه بالقاهرة ويبررون قبولهم الاستمرار في العيش تحت نير الاستعمار بعدم توفرهم على السلاح مقولته الشهيرة: "السلاح خذوه من خزائن العدو"، انطلاقا من تجربته في حرب الريف ضد الاستعمار الاسباني والفرنسي خلال عشرينيات القرن الماضي، وكذلك لدرايته بأن الحصول على السلاح بطريقة أخرى من أي مصدر آخر، لن يكون بدون مقابل كالسماح لهذه الجهة بفرض وصايتها وتحكمها في جيش التحرير والمقاومة فحسب ما أورده فتحي الديب في كتابه "عبد الناصر وثورة الجزائر"، حيث أوضح أنه قد اجتمع بالأمير محمد عبد الكريم الخطابي وأخوه امحـمد في 16 مارس1954 بأمر من جمال عبد الناصر للتوصل إلى اتفاق حول تنظيم الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي بكل من الجزائر وتونس والمغرب، و ما يمكن أن تقدمه مصر للثورة من مساعدات مالية وأدبية وسياسية في هذا الكفاح... غير أنه اختلف معهما حول أسلوب الإعداد والتحضير وطريقة تنفيذ الحرب التحررية في المنطقة وأبعاد ذلك.
كيف حصلت الخلايا السرية لجيش التحرير على السلاح؟
اشار عبد الله الصنهاجي أحد قادة مركز جيش التحرير بالناظور في مذكراته، إلى أن من بين أهم مصادر العتاد الحربي الذي كان لدى قيادة مركز الناظور، السلاح الذي جلبه المقاومون الجزائريون بواسطة الباخرتين "دينا" و"النصر" ثم بالباخرة "فخر البحار"، حيث خصص ثلث حمولتهم للثورة المغربية بموجب اتفاق وقع بين المقاومين الجزائريين والمغاربة.
فقد وصل سلاح الباخرة "دينا" الى رأس الماء في 30 مارس 1955، وضل في مخابئه بشواطئ كبدانة ولم تقم جماعة تطوان (د. الخطيب، الغالي العراقي، الحسين برادة، حسن صفي الدين، سعيد بونعيلات...)، بأية محاولة لنقله أو استعماله رغم كونها كانت على تنسيق مع الجهات التي أرسلته أو التي نقلته، لكونها كانت على موقف نقيض من خيار الكفاح المسلح، إلى حين وصول عبد الله الصنهاجي وعباس المساعدي إلى الناظور في يونيو ويوليوز 1955 وقيامهما بإخراجه والاعتناء به ونقله إلى المقاومين للتدريب على استعماله.
كما قامت قيادة الناظور حسب نفس المذكرات بشراء حولي 75 قطعة سلاح من مليلية بطرق مختلفة، وأن مجمل ما كان بحوزتها من السلاح حوالي 419 قطعة سلاح وحوالي 274000 عيار، تم توزيعه على خلايا وفرق جيش التحرير.
لكن هذا التوزيع لم يكن بشكل سليم فبعض الفرق تلقت سلاحا أكثر من فرق أخرى لكنها لم تنجز أي عمليات حربية طيلة حرب التحرير كما أشار إلى ذلك محمد الخواجة في كتابه "عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير".
ومن أنواع هذا السلاح ذكر عبد الله الصنهاجي في مذكراته: بندقيات عشرية من صنع إنجليزي وأمريكي، فيزي متريوز من صنع إنجليزي ومسدسات أمريكية الصنع وبنادق بلجيكية الصنع وقنابل يدوية حديثة الصنع.
وأشار عبد الله الصنهاجي إلى أن بعض الزبناء لما لاحظوا أن جيش التحرير بعد انطلاق العمليات الحربية في حاجة ماسة للذخيرة ضاعفوا الثمن 16 مرة خاصة "العيار رقم 7" المستعمل في البنادق من صنع بلجيكي التي حملتها الباخرة "النصر"، فقد ضاعت كميات مهمة من الذخيرة التي حملتها أثناء تفريغه ليلا في شاطئ كبدانة بعد غرق زورق صغير كانت حمولته تتجاوز الكمية المطلوبة.
فيما سجل محمد لخواجة في كتابه "عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير": " أن حصة المغاربة من السلاح الذي حصلوا عليه قد قدر بحوالي 600 قطعة وعند انطلاق ثورة 2 أكتوبر 1955 لم يتعدى ما تم توزيعه على حوالي 13 مركزا لجيش التحرير 250 بندقية"، وتساءل حول مصير باقي السلاح؟
وحسب شهادة عبد العزيز اقضاض في مذكراته فقد كانت بداية معركة التحرير بالنسبة لفرقته التي تولت الهجوم على مركز بورد في 02 أكتوبر 1955 المكونة من حوالي ثمانين مقاوما، ب 6 بنادق ومسدسين أمدهم بها الشهيد عباس المساعدي، إلى جانب 4 بنادق تم شراؤها، بالإضافة إلى بندقيتين احتفظ بهما والده منذ أن كان مقاوما في صفوف حرب الريف أي لمدة تناهز 30 سنة، وعدد من مقاتلي جيش التحرير تسلح بالعصي والأسلحة البيضاء والحجارة...
وعموما فقد كان مستوى تسلح جيش التحرير ضعيف جدا من أجل معركة التحرير والاستقلال، وغير كافي لمجموع المقاومين الذين انخرطوا فيه خاصة الذين شكلوا فرق انطلاق عملياته الأولى. ومن جهة أخرى أشار محمد الخواجة في كتابه حول جيش التحرير المغربي صفحة 120 إلى أن الاجتماع الذي انعقد في مركز "أيار إمجلا" بدار الفقير احمدبن عمر اشهبون في 17 أكتوبر 1955 أي بعد مرور 15 يوما عن اندلاع ثورة 2 أكتوبر 1955 الذي حضره كل من عبد العزيز الدوائري وعبد السلام أقضاض والحسن الزكريتي وعباس المساعدي والدكتور الخطيب، قد أفضى إلى تقديم الدكتور الخطيب الوعد للقادة الميدانيين لجيش التحرير بمدهم بالسلاح قائلا: السلاح موجود، وسيكون!، وكونوا رجالا!! غير أنه لم يفي بوعده، ولم يمد جيش التحرير سوى ببندقية غير صالحة الاستعمال، وفق ما جاء في مراسلة لعباس المساعدي مؤرخة بتاريخ 4 نونبر 1955 أوردها محمد لخواجة في كتابه " عباس المساعدي الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير".
ولهذا كان المصدر المهم للسلاح بالنسبة لجيش التحرير المغربي، هو ما كان يغنمه المقاومون خلال الحرب ضد قوات المستعمر باستيلائهم على مستودعات أسلحته، وكذا من القطع التي جلبها الجنود الفارين من الجيش الفرنسي والذين التحقوا بصفوفه.