القائمة

أخبار

احتجاجات السترات الصفراء..الأزمات الفرنسية وتأثيرها على المغرب (1)

تشهد فرنسا احتجاجات واسعة منذ 17 نونبر 2018 ضد الزيادات الضريبية المزمع فرضها ابتداء من السنة المقبلة 2019، وسميت هذه الاحتجاجات بـ"السترات الصفراء". ويتوقع تنظيم مسيرات ومظاهرات أوسع يوم السبت المقبل 08 دجنبر 2018. ولا تخضع هاته الاحتجاجات لتأطير النقابات والأحزاب السياسية الفرنسية المعروفة.

نشر
احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا
مدة القراءة: 6'

يوم أمس الثلاثاء 04 دجنبر 2018،  سارعت الحكومة الفرنسية للإعلان عن عدد من الإجراءات لتخفيف الاحتقان واحتواء الوضع ومنها تجميد الزيادات المرتقبة في الضريبة على الوقود، ورأى المحتجين أن هذه الإجراءات غير كافية.

التغطية الصحفية لاحتجاجات "السترات الصفراء"

يتابع الإعلام الفرنسي والأوروبي عن كتب، هاته الحركة الاحتجاجية التي اتفقت الصحافة الفرنسية على وصفها "بالصادمة". الصدمة من هول الغضب المعبر عنه في هذه الاحتجاجات والذي اتسم بالعنف في الكثير من الأحيان.

وأكدت صحيفة ليبيراسيون في تغطيتها للأحداث في عددها ليوم الاثنين 03 دجنبر 2018 "أن من أسباب هذه الأحداث هو منح الامتيازات لأصحاب الامتيازات، وسحبها من عامة المواطنين"، وطالبت الصحيفة الدولة، بإيجاد حلول للوضع. ووصفت حالة الاحتقان بالحريق الذي قد يأتي على الأخضر واليابس، إذا لم يغير الرئيس إيمانويل ماكرون طريقة تعاطيه مع الأحداث.

وتجري مشاورات واسعة بين رئاسة الحكومة وقادة أحزاب المعارضة، وتعيش الحكومة سباقا مع الزمن. وفي تصريح له قال الرئيس الفرنسي "إنه سمع احتجاجات الفرنسيين"، غير أنه أصر، على تطبيق الإصلاحات التي يرفضونها، في وقت تواجه فيه ولايته الرئاسية منعطفا حاسما.

الوضع الاجتماعي وتوسع الاحتجاجات

وتتركز النقاشات الحالية، بخصوص ما يجري بفرنسا، حول وجود أزمة اجتماعية، بسبب عدد من التحولات والإصلاحات الاقتصادية، وضيق الأسواق الخارجية وضعف التصدير وتحول رأس المال، من الصناعة المنتجة الى المضاربة الريعية، وانخفاض أجور الوظائف المتوسطة المهارات، بفعل وفرة اليد العاملة، وارتفاع البطالة، وزيادة الضرائب على الطبقات المتوسطة والفقيرة لتغطية النفقات وتقليص الإعانات والخدمات الاجتماعية

وتزايدت حدة الاحتجاجات الحالية وتوسع نطاقها، منذ حوالي ثلاثة أسابيع، خارج العاصمة باريس إلى مدن الغرب والجنوب، ودخلت عدد من الفئات الأخرى كالطلبة، بالإضافة للعمال وصغار الحرفيين وكل المتضررين من الوضع الاجتماعي، على خط هذه الاحتجاجات.

وبدأت هذه الحركة الاحتجاجية، تؤثر على الخريطة السياسية الفرنسية، مع تصاعد الاستقطاب بين الاتجاهات السياسية، وأيضا مع توالي انتقادات بعض قيادات الأحزاب الفرنسية لتعاطي الحكومة، ونزل عدد من نواب الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) للتواصل مع المحتجين. كما أصبح اقتباس شكل الاحتجاج، بالسترات الصفراء يمتد لدول أوروبية أخرى كبلجيكا وهولاندا.

ويصف الكثير من الفرنسيين، الرئيس إمانويل ماكرون بأنه رئيس "منحاز للأثرياء وكبار رجال الأعمال الأغنياء" حسب ما ذكرته يورونيوز في تغطيتها اليوم الأربعاء 05 دجنبر 2018، مضيفة أن هؤلاء كانوا من أكبر الداعمين له إبانة الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وأقرت حكومة ماكرون العديد من الإصلاحات، التي يرى فيها المحتجين، بأنها تمس بوضعهم المعيشي ومستقبلهم، وأنها تخدم فئة الأغنياء من المجتمع، ويتعلق الأمر بكبار مالكي رؤوس الأموال والمستثمرين، بفرنسا أصحاب الشركات الكبيرة، التي تدخل في نطاق الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات، والتي لها استثمارات خارج حدود فرنسا والاتحاد الأوروبي.

لكن هذه الاستثمارات الفرنسية، تواجه الكثير من التحديات على المستوى الدولي، ومنها الخلافات الأوروبية الأمريكية خلال فترة ترامب الحالية، إضافة للمنافسة التجارية للصين، في الأسواق التجارية العالمية التقليدية لفرنسا ومنها إفريقيا، بالإضافة إلى الواقع الذي يفرضه انسحاب إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، وواقع العقوبات الغريبة (الأمريكية بالخصوص) على روسيا وإيران والتي تتأثر بها العديد من الشركات الفرنسية.

صدى الاحتجاجات في المغرب

من جانبه، يتابع الإعلام بالمغرب هاته الاحتجاجات. فأغلب الصحف والجرائد والمواقع الإلكترونية غير الرسمية، تقوم بالتطرق لأخبار الأحداث البارزة لهاته الاحتجاجات، نقلا عن الإعلام الدولي في أغلب الحالات وفي بعض الحالات الأخرى، من خلال محاولة إجراء بعض التحليلات المقتضبة والمقارنات، في الوقت الذي تتسم فيه تغطية الإعلام الرسمي وشبه الرسمي بالفتور نوعا ما، عكس تغطية أحداث أخرى تهم مثلا الانتخابات الرئاسية الفرنسية أو بعض الأحداث الإرهابية كالتفجيرات والدهس، التي وقعت بفرنسا والتي كانت تفرد لها تغطية واسعة.

ويتابع المغاربة، بترقب وفضول كبير، مستجدات الوضع في فرنسا، خاصة على الشبكات الاجتماعية، التي أصبحت المصدر الأساسي للأخبار المتنوعة والمفتوحة ومتنفسا، لاستقاء المعلومة ونشرها بشكل أوسع مما تتناولها المؤسسات الإعلامية بمختلف منابرها.

ويطغى النقاش على الفايسبوك بالخصوص، عبر إثارة المقارنات، بين الطابع العنيف للاحتجاجات الفرنسية والاحتجاج السلمي بالمغرب (في الحسيمة مثلا) وفارق التعامل الأمني معهما، وجملة من المقارنات والمفارقات التي يراها المدونين على الأنترنيت بين البلدين، من قبيل أن السلطات الفرنسية لم تسارع إلى تخوين المحتجين أو نعتهم بأنهم ينفذون أجندة معينة، كما طغت موجة سخرية كبيرة على كثير من تعليقات ومنشورات رواد الفايسبوك وشبكات اجتماعية أخرى خلال رصد هذه المقارنات.

تأثير الوضع الفرنسي على المغرب

تعودت فرنسا تاريخيا، على الاعتماد على مستعمرتها السابقة، كسوق لبضائعها وفي استثمار رؤوس أموالها والتزود بالمواد الأولية واليد العاملة لسد احتياجاتها...، وتنعكس دوما الأزمات الداخلية لفرنسا على الأوضاع في هاته البلدان، والمغرب أحد هذه المستعمرات السابقة.

وحسب موقع وزارة الخارجية الفرنسية، على الأنترنيت، ففرنسا تتصدّر "قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب. وبلغت حصة فرنسا 26،4 في المئة (809 مليون يورو) من مجموع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في المغرب في عام 2016، التي تتركّز معظمها في القطاع الصناعي. وتتصدر المغرب قائمة وجهات الاستثمارات الفرنسية في القارة الأفريقية، إذ ثمة ما يزيد عن 800 فرع للمنشآت الفرنسية في المغرب. وتجدر الإشارة إلى أن 36 منشأة من بين المنشآت الأربعين المدرجة في مؤشر كاك 40 حاضرة في المغرب."

وتشمل قائمة استثمارات الشركات والمستثمرين الفرنسيين، مجالات عديدة (قطاع غيار السيارات، الأبناك، التأمين، الصناعات المعدنية والغذائية، الانشاءات الكبيرة، النقل، الخدمات، السياحة...)، وتجد هذه الشركات في المغرب فرص جيدة للاستثمار من ناحية تقليص تكلفة الإنتاج، كما أنها تعتبره سوقا مهما جدا لبضائع الشركات الفرنسية، وإضافة إلى ذلك هناك استثمارات غير مباشرة ومن خلال شركات اقتصادية متنوعة.

ويغذي المغرب سوق العمل الفرنسي، بأجيال من العمال المهاجرين منذ عقود وتحتضن فرنسا جالية عريضة من المغاربة وتوفر هذه الجالية بالنسبة للمغرب عملة صعبة مهمة، وقد أدت الأزمة المالية منذ عقد من الزمن إلى انحسارها، وهذا ما انعكس على الأوضاع الاجتماعية بالمغرب والتي تمظهرت في أحداث مدينة الحسيمة، التي كانت تعول، على عوائد الجالية المهاجرة بأوروبا، في غياب تنمية حقيقية بالمنطقة. كما تعيش هذه الجالية هواجس عديدة، في فرنسا ودول أوروبية أخرى، سواء من جراء الإصلاحات التي يجري تطبيقها أو من جراء سياسية الهجرة.

ويرتبط المغرب مع فرنسا، منذ الفترة الاستعمارية خلال القرن العشرين، بالكثير من الاتفاقيات الثنائية، والتي لا زالت قائمة منها اتفاقية إيكس-ليبان، ولفرنسا قوة تأثير كبيرة في الاقتصاد المغربي وفي صناعة القرار المغربي بشكل عام، وتعول عليها السلطات المغربية كثيرا في ملف الصحراء باعتبارها فاعلا دوليا مهما وعضوا دائما في مجلس الأمن الدول.

(يتبع)

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال