وجدير بالذكر أن أبوه "محمد بوجبن" كان من القادة المؤسسين لخلايا جيش التحرير بمنطقة اكزناية، والمرحوم محمد بوجبن الابن هو أيضا مقاوم شارك في جل المعارك التي خاضها جيش التحرير.
ورغم كبر سنه الذي تجاوز الثمانين سنة، إلا أن هذا المقاوم كان حريصا على حضور عدد من الملتقيات والفعاليات التي كانت تنظم بمنطقة اكزناية (التي سماها الاستعمار الفرنسي بمثلث الموت) من طرف عدد من الجمعيات المهتمة بتاريخ المنطقة وحفظ الذاكرة، وكان حريصا على تقديم رواياته وشهاداته حول مرحلة الكفاح المسلح وحيثيات تشكل خلايا جيش التحرير وعملياته ضد المستعمر بمنطقة اكزناية.
ففي كل مرة كان يحضر فيها لندوة ما أو يوم دراسي...، كان الجميع يحرص على الانصات إليه بشغف والتقاط الصور معه، نظرا لكونه واحدا من بين المقاومين الذين لايزالون على قيد الحياة، والذين أصبحوا يعدون على رؤوس الأصابع، ويرى فيهم أبناء المنطقة صور آبائهم وأجدادهم بجلابيبهم التقليدية وعماماتهم ولحاهم البيضاء، ويحضون بالاحترام والتقدير من طرف الجميع.
ففي 20 نونبر من سنة 2014، حضر محمد بوجبن فعاليات اليوم الثقافي المنظم من قبل "جمعية أكنول للتنمية والثقافة وحفظ الذاكرة" و"جمعية بورد للتنمية"، بدار الشباب ببورد، تخليدا للذكرى 59 انطلاق عمليات جيش التحرير في 2 اكتوبر 1955 ضد الاستعمار الفرنسي. وقد كان حضوره لافتا حيث شد انتباه كل الحضور لشهادته حول مساهمة "ادريس ولعوش" وأبوه "بوجبن" في إنجاح الهجوم الذي نظم من قبل جيش التحرير عن مركز الشؤون الاهلية ببورد ليلة 02 أكتوبر 1955، ومن مجمل ما قاله في هذه الشهادة : أن عبد العزيز الدوائري أحد مؤسسي جيش التحرير وقائد الهجوم على بورد أمر المقاومين عند وصولهم الى المكان المسمى "البلوطة" بالقرب من بورد بالتوقف وانتظار وصول "السارجان ادريس ولعوش" و" محمد بوجبن" (أب المرحوم) ورفاقهما، وقال لهم بأن تنفيذ الهجوم رهين بهما، فهم أكثر رجالات المقاومة دراية بتحركات المستعمر في المنطقة بحكم أن منزليهما يوجدان على مقربة من المركز العسكري للمستعمر في بورد وهو ما سمح لهما بترقب وتتبع كل تحركات العدو عن قرب، وهذا ما ساهم كثيرا في نجاح الهجوم على مركز بورد.
كما أشار محمد بوجبن في هذه الشهادة إلى السرية التي كانت تطبع عمل خلايا جيش التحرير باكزناية بالإشارة إلى أن سنه كان يناهز 22 عاما، عندما كان يتم التحضير للثورة على المستعمر، وهو لا يعرف أي شيء عن مخططات أبيه "بوجبن" ورفيقه "ادريس ولعوش" حول تخطيطهما للمشاركة في تنفيذ ثورة ضد الوجود الاستعماري، بالرغم من أن منزلهم كان مركزا للتدريب على حمل السلاح من قبل أعضاء خلية جيش التحرير ببورد باستعمال بندقية قام بجلبها "ادريس ولعوش" إلى بورد بعد أن أمده بها عبد العزيز الدوائري.
فقد أخبر الحضور عن الحيل التي كانت تحبكها له أمه فاطمة كي تحول دون علمه بما يقوم به أبوه وباقي أعضاء الخلية، ومن بينها أنها كانت تتعمد إرساله إلى أماكن بعيدة لجلب شيء ما أو قضاء غرض ما، ولأنه كان يتميز بدينامية كبيرة كان يعود بسرعة إلى المنزل بعد قيامه بالمهمة ولأن الأمر كان يتكرر باستمرار بدأ يشعر بأن هناك أمرا ما يجري في المنزل دون علمه فألح على أمه بأن تخبره بما يقوم به أبوه رفقة ادريس ولعوش ومقاومين آخرين بمنزلهم...، وبعد إلحاحه المستمر اضطرت أمه لإخباره بمخططات أبيه بعد أدائه القسم بعدم إفشاء السر، وتم بعد ذلك إشراكه من قبل أبيه ورفاقه في نشاط الخلية قبل أن يشارك في المعارك التي خاضها جيش التحرير ضد المستعمر.
وتبين هذه الشهادة الحرص الشديد الذي كان يليه الأعضاء المؤسسين لخلايا جيش التحرير لمسألة سرية العمل والتحضير، حتى أنهم كانوا يخفون الأمر عن أقرب أفراد العائلة، خوفا من إفشاء الأسرار، فبوجين ظل يجهل ما يحضر له والده لمدة ليست بالقليلة منذ بداية تشكل الخلايا في 1951 والتدرب على السلاح.
كما تطرق في شهادته إلى أشكال الاستغلال الاستعماري بالمنطقة، حيث أشار إلى "أن المستعمر كان يرغم الساكنة على العمل أربعة أيام كل شهر بدون مقابل في حمل الحجارة على الظهر وتحضيرها في إطار ما كان يسمى "الكورفي" وذلك من أجل تشييد البناءات وشق المسالك الطرقية وبناء القناطر وزرع شجر الصنوبر...".
وأضاف قائلا: "لقد أمرتنا فرنسا العدوة بأداء ضريبة الترتيب، حيث كانت تخرج لجنة مشكلة من الجنود والمقدمين، وتقوم بإحصاء الأشجار المثمرة والمساحات المزروعة وعدد رؤوس الماشية من معز وبغال وبقر ودواجن... التي يمتلكها كل شخص وسيؤدي عليها ضريبة الترتيب... لقد فرضت فرنسا نظامها في بلدتنا وعملاؤها يتصرفون كما يحلو لهم، والخدمات التي كان السكان يقدمونها للمستعمر كانت قسرية، والهجرة الى الجزائر للعمل كانت ممنوعة وكل شخص قام بذلك تتم معاقبته بالسجن مع الأعمال الشاقة (الكورفي) بعد عودته".