ظلت السلطات السياسية في المغرب حريصة على احتكار التحكم في مساجد المملكة وتأطير القائمين عليها. وشكلت هيكلة الحقل الديني في المغرب موضوعا لعدد من الخطب والرسائل الملكية التي حرصت على أن يبقى الملك أمير المؤمنين الفاعل الأسمى داخل المجال الديني وتنظيم المساجد وأماكن العبادة.
هكذا لم تخرج كل دعوة إلى هيكلة الحقل الديني عن تفاصيل إعادة التحكم فيه ووقف فوضى الفتاوى التي قد تتخلله وتأميم العقائد والشعائر داخله بما يحفظ للمؤمنين دينهم ويبعدهم عن كل "دعوات الخروج على السلطان". وظلت كلمات الخطباء والأئمة في الجمع وغيرها من المناسبات الدينية والوطنية كلمات موحدة المضمون حتى وإن اختلفت أشكالها، حيث يعلم المصلون والمسلمون أن الخطبة التي يقرأها الإمام ليست له، ولم يكتبها.
بيد أن هذا التحكم الإداري، كما أسماه الأئمة الذين خرجوا للتظاهر في الرباط، لم يصاحبه توجه لتحسين أوضاع الأئمة والقيمين الدينيين. حيث ظل جل الأئمة وعلى امتداد ربوع المملكة الشريفة يكملون مصارف الشهر واليوم بتدخلات ومعونات المحسنين، أمام هزالة راتب شهري لا يفي باحتياجات الإمام وأسرته.
في هذا السياق بات خروج الأئمة خلال الأسابيع الماضية واحتجاجهم أمام البرلمان لتحسين أوضاعهم أمرا مألوفا، على غرار ما يفعله المجازون وذوو الشهادات العليا،وجاء بيان الأئمة الذي تم توزيعه على وسائل الإعلام مفسرا لاحتجاج الأئمة ومفصلا لمطالبهم.
مطالب الأئمة توزعت بين مستويين، مستوى أول يتعلق بتحسين الأوضاع المالية لتمكين الإمام من مواجهة احتياجاته بعيدا عن منطق "الاستجداء والصدقة" يقول بيان الأئمة. وأعلن الأئمة عن رفضهم للزيادات الهزيلة جدا التي تحدثت عنها وزارة الأوقاف والتي يحملها الأئمة مسؤولية التدبير السيئ لملفهم. ومستوى ثان معنوي طالب خلاله الأئمة بتوفير أجواء معنوية تسمح للإمام بتأدية رسالته بعيدا عن التهديد بالفصل والتوجيه والتحكم. وطالب الأئمة السلطات بإرجاع الموقوفين من الأئمة والمؤذنين الذين أوقفتهم السلطات انتقاما من نشاطهم الاحتجاجي ضد وزارة الأوقاف.
بيد أن ما لاحظه المواطنون أن تعامل السلطات مع هذه الشريحة التي خرجت للاحتجاج أمام البرلمان غالبا ما سيطر عليه منطق أمني صرف لم يولي التقدير اللازم ل"أهل القران"، وكثيرا ما شوهد رجال الأمن وهم ينكلون بهم،ليتساءل الناس : ماذا لو أنصفهم الإمام بعد ظلم الأوقاف ووزيرها التوفيق؟