الظاهر أن مضامين الخطاب الملكي الأخير، الذي حث الأحزاب السياسية على اعتماد التوافق لتنزيل مقتضيات الدستور الجديد وتسريع انتخاب المؤسسات السياسية تضل العناوين الكبرى لترتيب المرحلة التي تمر منها البلاد اليوم، يؤكدها الانتقاد المستمر الذي تمارسه الدولة ضد كل أشكال الاحتجاج المعارضة للمسلسل الانتخابي الجاري أو الخارجة عليه.
وفي الوقت الذي تستجمع فيه وزارة الداخلية تصورات الأحزاب السياسية ومقترحاتها من أجل إعادة التركيب وعرض الصيغة النهائية، تسعى الأحزاب السياسية إلى ترتيب بيتها الداخلي وتعبئة مناضليها ومناصريها وإحياء تحالفاتها السياسية القديمة و"التاريخية" استعدادا لانتخابات تشريعية قد لا يبتعد تاريخ تنظيمها على السابع من أكتوبر المقبل.
بيد أن المفارقة الكبرى التي تكتنف مسلسل التحضير للمسلسل الانتخابي المقبل هي أن هذا المسار الحالي يضل حاملا لكل عوامل إعادة إنتاج المؤسسات والنخب السياسية والحزبية ل "مرحلة" ما قبل دستور 2011. فاستعدادات الأحزاب السياسية اليوم لا تبتعد كثيرا عن أشكال "التجييش" والتعبئة التي سادت في السابق، من الاعتماد على شبكات الأعيان المحليين ومختلف أدواتها وأساليبها المستخدمة في ربح المقعد الانتخابي، وكذلك على تشجيع كل أشكال التقارب الانتخابي، بما فيها تلك التقاربات الخارجة عن الطبيعة التي يمليها المنطق السياسي والإيديولوجي.
ولعل إشارة امحند العنصر أمس كانت بليغة حين استبعد، في برنامج "حوار" الذي بث علي الأولى، حصول تغيير كبير بعد الانتخابات المقبلة. فالرجل اختبر آليات "النجاح الانتخابي" وسيسعى بدوره، وبمعية السيد الزعيم التاريخي للحركة الشعبية أحرضان، إلى توظيف بعضها واستثمار معطيات الواقع القبلي في الأطلس لتحقيق نسب محترمة من الأصوات.
وتبقى تزكيات المرشحين أبرز دلالات الاستمرارية وعلاماتها، حيث تمنح الأحزاب تزكياتها لنخب سابقة، كان بعضها عنوانا في احتجاجات 20 فبراير، ومثار انتقادات حادة في تجارب انتخابية سابقة.
وبعيدا عن أي طموح لأجل "تأويل ديمقراطي" للدستور الجديد، كما يردد ذلك قياديون في حزب الاتحاد الاشتراكي، تبقى نسبة المشاركة ك "تحدي" حقيقي يمكن أن يضعف المسار الانتخابي المقبل ويقلل من مشروعيته.فالشباب المغربي الذي احتج في البداية على فساد الأوضاع، وكان له "فضل" تحريك الأوضاع وصولا إلى خروج الدستور الجديد، لم يكن شبابا متحزبا.. بل كانت بعض شعاراته ضد النخب الفاسدة داخل الأحزاب.