كلمة "أحبك" مفقودة في ثقافتنا بين الآباء وأطفالهم وحتى بين الأزواج مع بعضهم البعض. فمن منا يقدر أن يعبر لابنه بهذه العبارة "أحبك أولدي"؟ إذ صار من المستحيل أن ينطق بها الفم المغربي. وأخطر من هذا، هل الزوجة بمقدورها أن تستعمل هذه العبارة "احبك يا حبيبي"؟ من المستحيل كذلك كأن اللسان المغربي مصاب بالشلل والعجز عن تركيب كلمة "حب" والنطق بها في جملة مفيدة. والأغرب هو أن الحبيب إذا أراد أن يعبر عن حبه لمعشوقته، يلجأ للغة الفرنسية "جوطيم" ومن المستحيل ان ينطق بِـ"أحبك".
1- ما هي أسباب غياب كلمة "حب" في لهجتنا و ثقافتنا المغربية؟
- الخلط بين الحب والجنس: المغربي يربط تلقائياً الحب بالجنس وبما أن الجنس من الطابوهات المحرمة في ثقافته فالحب صار كذلك يصنف في نفس الخانة بحيث تحول كل حديث عن الحب إلى حديث عن الجنس كأنهما وجهان لعملة واحدة .
- غياب التربية الجنسية: التربية الجنسية لا يقصد بها التكوين في العمليات الجنسية بل هي التربية على التعبير عن المشاعر واكتشاف الذات واكتشاف الآخر عبر الحب بين الجنسين من الزاوية العاطفية المبنية على الاحترام المتبادل والمساواة بين الجنسين.
- اعتبار الحب ضعفاً في الشخصية: في الثقافة السائدة في مجتمعنا الحب هو شأن الإناث ولا يعتبر رجلا من يعبر عن الحب. وبما أن الأنثى تعتبر ضعيفة بالنسبة للذكر وهو أقوى منها حسب هذا المنظور ، فيجب أن يكون متميزاً عنها و متحكماً في مشاعره بحيث لا يظهر منها شيئاً إلا مظاهر القوة و الشِّدة المصطنعة: "مَتْبْكيشْ واشْ نْتَ راجل وْلا بنت؟"
- الخلط بين الحب والفساد: الاعتقاد بأن التعبير عن الحب يشكل إفساداً لتربية الطفل بحيث يتحول إلى كائن مدلل "ولد الفشوش"
- المغربي كَموني: الاعتقاد بان الصرامة وكتمان مشاعر الحب ستقوي شخصية الطفل وتعده لتحمل أعباء الواقع المر "باش يكون راجل"
- غياب التعبير عن الحب في التربية الدينية: يغيب في التربية الدينية الحالية الحديث عن مفهوم علاقة المحبة التي تربط العاشق (المخلوق) بمعشوقه الأعظم (الخالق). بل على العكس نجد هذه التربية تمجد ثقافة الخوف و الرعب عبر التركيز على العذاب و الانتقام و نار جهنم .
2- ما هي انعكاسات غياب التعبير عن الحب بين الآباء والأطفال؟
- اضطراب في النضج العاطفي: المغربي يرى نفسه ضحية ويبحث عن الحب والحنان المفقود فلا يجده مما يؤدي به إلى سلسلة من الاضطرابات النفسية الخطيرة.
- اضطراب العلاقات بين الآباء والأبناء: كثيراً ما نرى الأب يعنف ابنه ويردد عليه "لوْ ماكْنْتْشْ نْبْغيكْ كاعْ ما نْضْرْبْكْ، راهْ لْمْصْلحْتْكْ". كيف يكون الحب مرادفاً لمقدار الضرب أي تناقض وأي منطق هذا؟
- اضطرابات في العلاقات الزوجية: للأسف أرى كل العلاقات الزوجية مبنية على "القوة" وغياب ثقافة المساواة والرفق و الكلام اللين والاحترام المتبادل والتفاني لإسعاد الآخر. فكل من الطرفين يعاني من ضعف الحب وغياب الحنان وينتظر التعويض من الآخر في حلقة مُفرغة دون جدوى.
- اختلالات في العلاقات الاجتماعية: من المستحيل على المغربي أن يربط علاقات راشدة وسليمة مع الآخرين بدون انتظار عاطفي، وبسبب تغييب التعبير عن الحب و الحرمان من استشعاره. فكل تلك العلاقات ترتكز على دوامات متكررة من النزاعات والصلح ثم النزاعات والصلح ....الخ.
نحن مجتمع فقير جدا عاطفياً ولا نكسب أي رأس مال من الحب في حين أن كل مغربي يترجى الحب والعاطفة من الآخرين. و قد صار المغربي أشبه بـالمتسوّل في الشوارع يطلب دراهم من الحب لأن المحبة هي الرابط القوي بين البشر وغياب الحب يترك المجال مفتوحاً للفقر والعنف والكراهية بكل ألوانها. إن أزمة المجتمع المغربي سواء اقتصادية أو سياسية، سببها هو غياب الشعور بالحب والتعبير عنه. إن الحب هو شعاع ونور ورثناه من سماء الرحمة ولا يمكن التعبير عن الإيمان بدون التعبير عن الحب. وعبْر الحب والتعبير عنه يقاس شعاع الإيمان. وأتحدث هنا عن الإيمان بالإنسانية، الإيمان بقوة الحب كمنبع للسلم والتعايش و التماسك الاجتماعي.إن الحب هو صومعة كل الفضائل الإنسانية، بدون حب تنعدم كل الفضائل ويجف الإيمان في قلوب الناس و تنعدم الرحمة فيهم.