إن الحكم بالإعدام، يعني أن القاضي له اليقين التام بما قام به الجاني من جرم. فما هي يا ترى هذه الأجهزة التي يتوفر عليها القاضي المذكور للوصول إلى اليقين؟ هل له علم ينافس به علم الله؟ هل يرى ما في الصدور؟ أم يكتفي بالاعتماد على فكره وأذنيه وعينيه؟ فهذه الأدوات البشرية الثلاثة ناقصة وترتكب أخطاءً وهذا ما ينص عليه العلم والدين معاً.
وكيفما كانت التحريات والدلائل، فهي خاضعة لمنطق العقل وهو منطق غير معصوم ، فكيف لبشر أن يأخذ مقام الله ويأخذ ما وهبه الله للإنسان؟ أليس هذا سرقة لِمِلك الله وجريمة؟ أي تجبر وكبرياء؟ لقد أصبح القاضي أعلم من الله، هيا بنا ولنردد معا "سبحان القاضي الجبار المقتدر". في الواقع، الحكم بالإعدام في قضايا الرأي و حرية الضمير، تجعل القاضي يتخذ نفسه إلها!
لو درس القضاة الفلسفة وخصوصيات الحقيقة والمعطيات التي يقدمها علم النفس التحليلي لكان الأمر مختلفا عما نراه اليوم! و كمحلل نفساني أجد مهنة القضاء اخطر مهنة على وجه الأرض إذ أنها تتطلب أسمى سمات الإنسانية وحساً سامياً بمفاهيم العدل والإنصاف. وكيف لإنسانٍ أن يزعم أنه قادر على هذه المسؤولية التي يمكن أن تدمر حياة أناس أبرياء مهما وصلت درجة العدل الإنساني؟ إنها مهنة في جوهرها تنبذ الغرور والأنانية. كان من المفروض أن لا نجد طالبا واحدا يرغب في هذه المهنة، إن كان لهم فعلاً حس الإنصاف ومعرفة بمدى قوة الدماغ وحدوده في إصدار الأحكام ولما تسابقوا على خوض المباريات للولوج إلى معاهد القضاء؟
و هكذا يتضح لنا أن الحكم بالإعدام خاصة في مسائل تتعلق بحرية الفكر والعقيدة هو خطيئة كبرى أبدية لا تحتمل التصحيح و لا التعويض!.
أعتبر الإعدام جريمة ضد الإنسانية وسيأتي وقت ستصدر فيه قوانين تجعل القضاة في موضع مساءلة و متابعة بجرائم ضد الإنسانية. في الماضي الحروب كانت تحلل كل الانتهاكات ضد العدو وكان العقاب في يد المنتصرين ولكن جاء زمن أصبح فيه عسكريون يتابَعون على جرائم ضد الإنسانية لدى محاكم دولية مختصة!
فإذا كان الإعدام من العدل ، فأنا قادم إلى اليمن لأنال شرف الإعدام، أعدموني لأنني واثق من أن حرية العقيدة وحرية التعبير ستنتصر ولا يوجد دين من الأديان يهدف إلى شل الأقلام وتعطيل الفكر وقتل النفوس ولكن البشر بتسلطهم،هم الذي يعطلون العقول و يكبلون الأيادي و يسجنون الضمائر! أليست هذه الممارسات إعدام كذلك؟