القائمة

الرأي

على هامش عودة المغرب للمنتظم الإفريقي

هذه العودة يستهدف المغرب من خلالها تحقيق رهان كبير وهو رهان يجب أن يربح : رهان تقديم المغرب نفسه إفريقيا كنموذج سياسي يمكن الاقتداء به و كقوة إقليمية معتبرة قادرة على الدفاع عن مصالحها ووحدة ترابها كما هي قادرة على المساهمة في حفظ السلم والأمن العالمي بهذه القارة وعلى المساهمة بجانب قوى أخرى إفريقية في نهوض بإفريقيا وتقدمها .

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

وطبعا من نافلة القول التذكير أن هذا الرهان /التحدي الكبير بتمفصلاته المتعددة لن ينجز إلا إذا شق المغرب طريقه كقوة صاعدة وأنجز بنجاح أوراش النهضة والتنمية الداخلية وأنجز أيضا بنجاح الانتقال النهائي إلى الديموقراطية . هو رهان صعب المنال ولكنه ليس مستحيلا متى توفرت الإرادات وأخلصت النيات وتم التشمير عن السواعد للعمل الذؤوب والمستمر .

هذه العودة هي أيضا خطوة تصحيحية ضرورية ، فليس واردا تصور النجاعة والمردودية المطلوبة في السياسة الإفريقية للمغرب من دون عودته ابتداءا إلى المنتظم الإفريقي الذي كان قد ترك مقعده فيه منذ 33 سنة حينما تم قبول البوليساريو كعضو فيه . يومها ارتكب المغرب خطأً فادحا بأن مارس سياسة المقعد الفارغ مما أتاح لخصومه الفرصة للتسيد داخل هذه المنظمة القارية والتأثير في جل قراراتها بما يعاكس في بعض الأحيان مصالح المغرب ووحدة ترابه . يوم 31 يناير 2017 صحح المغرب هذه الوضعية الخاطئة التي استمرت لثلاث عقود ونيف ..

سيقول البعض أن المغرب قد عاد إلى المنتظم الإفريقي و البوليساريو ما زال عضو كامل العضوية فيه . نعم هذا صحيح ولكن قلتها من قبل وأرددها اليوم : وجود المغرب في الاتحاد الإفريقي ولو بوجود البوليساريو فيه خير من عدم وجوده . فسياسة المقعد الفارغ أضرت بالمغرب كثيرا ولم تسعفه في خدمة قضية وحدته الترابية وفي علاقته مع البلدان الإفريقية بما فيها الصديقة التي لم تنظر يوما بعين الرضى لقرار المغرب بالانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية .

لم يكن من السهل اتخاذ قرار العودة للمنتظم الإفريقي بل كان قرارا صعبا ، لما يحمل في طياته من مخاطر ومطبات أقلها وجود الوفد المغربي في قاعة تظم وفدا من البوليساريو . و يجب القول أيضا أن الملك محمد السادس قد اتخذ قرارا شجاعا بالنظر إلى طبيعة التعقيدات المرتبطة بقبول المغرب بشروط العودة للانظمام إلى هذه المؤسسة القارية . لن أذهب إلى حد القول أن ملك البلاد قد جازف ولكنه ركب المخاطر و راهن فربح الشطر الأول من الرهان وربح المعركة الأولى : رهان إعادة المغرب إلى مكانه الطبيعي بين أشقائه الأفارقة . ولكن ما زالت هناك أشطر أخرى ومعارك لا بد من ربحها من أجل كسب كل الرهان الكبير وحتى لا تتحول العودة لهذه المنظمة إلى مجازفة خاسرة .

في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن ملك المغرب يمتلك رؤية وخارطة طريق للدور الذي يجب أن يلعبه المغرب في إفريقيا المستقبل خصوصا، ولِما يفترض أن يكون عليه التعاون جنوب جنوب عموما . وهي رؤية تجلت بعض ملامحها في الجولات الأخيرة للعاهل المغربي إلى العديد من العواصم الإفريقية وتسربت بعض تفاصيلها في الخطاب العاطفي الوجداني القوي الذي ألقاه ملك المغرب أمام زعماء وقادة إفريقيا في أديس أبابا حيث قال كلاما كبيرا لا يصدر إلا عن كبار المدافعين عن عولمة بديلة (Altermondialistes) ، وهو الكلام الذي سيزعج بالتأكيد الكثير من مصادر القرار الإستعماري الغربي التي ترى في افريقيا مستودعا للثروات والطاقات والامكانيات الحيوية والضرورية لاستمرار ازدهارها ورفاهها .

عود على البدء لأقول أن عودة المغرب للمنتظم الإفريقي تصحيح لخطأ تاريخي جنى على المغرب وساهم نسبيا في عزله والاضرار بمصالحه . وهي بداية المشوار لكسب الرهان الكبير الذي يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل و الاصرار على متابعة هذا الدرب الشاق و الطويل الذي يتطلب تكثيف جهود كل الفاعلين المغاربة - سياسيين وغير سياسيين - وتعبئتهم من أجل انجاح السياسات المغربية الجديدة اتجاه إفريقيا . المشكل اليوم في المغرب أنه يسير بسرعتين على الأقل بالنسبة لما هو سياسي . سرعة القصر وسرعة الأحزاب السياسية الغارقة في الصراعات البينية وفي النقاشات الهامشية وفي البحث المستمر والمستميث عن المكاسب والمصالح . أحزاب بعيدة كل البعد عن النقاش الإستراتيجي المطلوب والمواكب للتحولات العالمية المتسارعة .

الملك المغربي بخطابه في العاصمة الإثيوبية يوم 2017/01/31 قد حدد بنك الأهداف المرجوة من السياسة المغربية الحالية والمستقبلية اتجاه ومع إفريقيا وهي أهداف عالية السقف أتمنى أن يكون الفاعلين المغاربة كلهم على نفس الموجة وبنفس الحماس لتفعيل مستلزماتها .

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال