هكذا يزحف علينا الزمن الحكومي بـ"مغرباته" الأكثر إثارة للقلق، وبتزامن مع نهاية المطاف المحزن والخالي الوفاض، وانهيار نموذج الانتقال الديمقراطي والسياسي الذي كنا نحلم به منذ بداية العهد الجديد.
نعم كنا طامعين في دستور يتساوى فيه جميع الناس في الحقوق والواجبات في ظل الأحكام التشريعية للقانون والفصل بين السلطات، وليس دستور معلق في الصالونات وفي مكاتب دولة رئيس الحكومة، يسمح للأشباح الدولة باستيراد 2500 طن من النفايات.
لقد تابع الشعب المغربي والرأي العام العالمي كيف حولت حكومة بنكيران المغرب إلى مطرح للأزبال، قصد تلويث ما تبقى من الهواء غير المؤدى عنه، وهذا باعتراف صحافي الحكومة المشهور الذي بدل من أن يطلق النار على رئيس حكومته المفضل، علق النفايات السامة الآتية من ايطاليا على "الحويط القصير"؛ "الوزيرة بوزبال".
الأكيد (والله سبحانه وتعالى أعلم)، هو أن دولة السيد رئيس الحكومة لا يهمها لا "الكوب ميد" ولا "الكوب 22"، وما يهمها هو توريط المغرب في عدم احترام المعايير البيئية في إنتاج وتصدير النفايات خارج حدودها، وتشويه صورته أمام المنتظم الدولي.
فإذا كانت الوزيرة الحيطي وزيرة بوزبال، فماذا نقول عن حكومة بنكيران؟
إن الجهد الذهني الذي يطالبنا به الزمان السياسي اللعين، يطالبنا أكثر من أي وقت مضى بكشف خيوط هذه المؤامرة المشبوهة، وتعرية المأجورين الذين يعملون في شبكاتها، النازحين من رحيم البؤس الطبقي، والحالمين برجوع زمن الاستبداد والرجعية والجمر والرصاص.
ما من شك أن المتأمل في جريمة تحويل المغرب إلى مطرح للأزبال لا يجد صعوبة واضحة في ربط هذه الواقعة باستعداد مدينة طنجة لاحتضان "ميد كوب" منتصف هذا الشهر، وعلى بعد أشهر قليلة من عقد الدورة 22 لمؤتمر الأطراف، وهو المؤتمر العالمي الذي يجمع أكبر المتخصصين والمناضلين المحاربين للتلوث المطالبين ببيئة نظيفة كحق من حقوق الإنسان.
لقد تعددت في عهد حكومة مزبلة الطاليان كل أشكال الاختلالات الناتجة عن التحرش بالمواطنات والمواطنين في فضاءتهم العمومية وفي مؤسساتهم التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمثل الشكل الذي أصبح يهدد المغاربة والوطن ويفتح الباب أمام معمّر جديد سيأتي بكل أنواع النفايات لزرعها في جهات ومدن وقرى المملكة للرفع من نسبة النمو التي اقتربت من الصفر المدور المسدود. وإن ما نخشاه اليوم هو أن يتخذ المغرب مسارا مختلفا تماما عما كنا نحلم به.
في 1956، كانت لا تزال في المغرب قواعد عسكرية فرنسية وأمريكية، و بفضل كفاح مرير ونضال وطني مستمر، تم إجلاء هذه القواعد الأجنبية من أرض الوطن. وبعد ذلك، كل الحكومات المتعاقبة وافقت على بقاء بعض العسكريين الأجانب ببلادنا لأسباب فنية تحتاج إليها القوات المسلحة الملكية. واليوم لا نريد وجودا استعماريا في أرض وطننا، ولا نريد أكياسا من العملة الورقية المسقية بالنفايات المستخرجة من القمامة ومراحيض وقواديس الطاليان. إن إلحاق الضرر بمظاهر الطبيعة ومواردها يعتبر جريمة تترتب عنها مخاطر جسيمة تستحق المساءلة والعقوبة.
و إذا كان صحافي السيد رئيس دولة حكومة بنكيران يرمي باللوم على "وزيرة بوزبال"، فإنه يمهد الطريق لشيخه كي يخرج لسانه السليط للدفاع عما تلفظه قواديس ومراحيض الطاليان من مزايا النمو الاقتصادي ومضامين التنمية المستدامة وبرامج الإنماء المرتبطة بنقل النفايات إلى المغرب.