فالمادة الثالثة من ظهير إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لا تتصور العلاقة بين الوزير الأول (رئيس الحكومة حالياً) وبين المجلس الأعلى خارج إمكانية إحالة الحكومة لطلب إبداء رأي في أي قضية من قضايا الاتصال السمعي البصري، أو طلب إبداء رأي وجوبيٍ في أي مشروع قانون أو مرسوم له علاقة بالقطاع.
أو في المقابل إمكانية المجلس، في إطار إحالة ذاتية، اتخاذ المبادرة باقتراحٍ يهم التدابير القانونية التي من شأنها أن تُمَكن من احترام المبادئ الواردة في ظهير إنشاء الهيئة، أو يهم التغيرات القانونية والتنظيمية اللازمة لمواكبة تطور القطاع.
لذلك، فالشكايات المُتعلقة بخرق أجهزة الاتصال السمعي البصري للأنظمة والقوانين التي تحكم القطاع، لا يمكن حصريا أن تُحال، إلا من طرف الأحزاب السياسية، النقابات المهنية، والجمعيات ذات المنفعة العامة. بالإضافة إلى السلطة القضائية التي يمكنها، كذلك، أن تحيل – قصد إبداء النظر- الشكايات المعروضة عليها والمستندة إلى خرق أنظمة وقوانين الاتصال السمعي البصري.
أجل، إن القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري، ينص خاصة، في مواده 3 و9، على ممارسة حرية الاتصال في إطار احترام القيم الدينية والأخلاق الحميدة، كما أنه يتوجب ألا يكون من شأن بث أو إعادة بث بعض البرامج المساس بالأخلاق العامة، لكن تفاعل سلطة ضبط السمعي البصري مع هذه المقتضيات، لا يمكن من الناحية المسطرية أن يكون بناءً على «التماس» من رئيس الحكومة للنظر في مخالفات وترتيب الجزاءات القانونية المطابقة لها.
نظريا، إن معالجة قضية «المشاهد ذات الإيحاءات الجنسية» في سهرة القناة الثانية للجمعة 29 ماي 2015، والتي اعتبرتها رسالة رئيس الحكومة الموجهة إلى «الهاكا»، أسبوعا بعد ذلك؛ «تقصيرا جسيما»، كان يمكن له أن يسلك واحدا من هذه المسارات:
– مسار سياسي تثار فيه المسؤولية السياسية للمشرفين على القطب العمومي.
– مسار تقنيني/ شبه قضائي تقوم فيه «الهاكا» بالتصدي لهذا الملف، إما عبر مبادرة ذاتية، أو من خلال شكاية حزب سياسي (العدالة والتنمية مثلا).
– مسار قضائي تطرح فيه القضية كخرق للمنظومة القانونية المنظمة للاتصال السمعي البصري، وهو ما سيسمح بالجهة القضائية المعنية، بإحالتها إلى «الهاكا» قصد إبداء رأيها في الموضوع قبل الكلمة النهائية للمحكمة.
خارج هذه الإمكانيات السياسية /القانونية، فإن توجيه هذه الرسالة «المُلتبسة»إلى «الهاكا»، يعني في النهاية استبطان الحكومة لفكرة وجود الإعلام العمومي خارج دائرة مسؤوليتها السياسية. فالحكومة – عمليا- وجدت نفسها مُحاصرة، من جهة، بين تعاقدها مع الدولة، المبني على احترام الأثر المهيكل لقانون ما للملك وما لبنكيران، والذي يضع الإعلام العمومي في خانة القطاعات الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، بين ضغط قطاعات كبيرة من القاعدة التنظيمية والانتخابية للعدالة والتنمية، وهو الضغط الذي كان يحتاج إلى خطاب أخلاقي مُتماه ومستوعب له.
إن رسالة بنكيران إلى «الهاكا»، وُجهت في الحقيقة إلى الرأي العام. لذلك، فليس صدفة أن تبدو أولا هجينة من حيث الهوية، فلا هي بشكاية ولا بإحالة ولا بطلب رأي، وأن تُصاغَ، ثانيا، بتفصيل وتدقيق لا تحتمله المُراسلات الإدارية بين مؤسسات الدولة، وأن تُكتب، ثالثا، بلغة أخلاقية طاغية، وأن تنشر، رابعا، وهذا هو الأهم، مباشرة بعد تدبيجها، على الفايسبوك!