ما الذي يجمع يا ترى شتات هذه الأخبار المتفرقة؟ إنه بالتأكيد سؤال الحكامة الأمنية، السؤال الذي شكل أحد أقوى مخرجات تمرين هيئة الإنصاف والمصالحة، تم عاد بعد ذلك ليبصم حضورا مهما لحظة الحوار العمومي الواسع الذي عاشه المغرب في سياقه ربيعه «الديمقراطي» بمناسبة تعديل الدستور. يعود السؤال مجددا عند تقييم الجهد المغربي في مكافحة الإرهاب، كما يعود عندما تطفو إلى سطح الأخبار إحدى حالات التعذيب بمخافر الشرطة، أو عندما يسجل انفلات في تدبير القوات العمومية لتظاهرة سلمية أو لحركة احتجاجية اجتماعية، يعود عندما نفكر في الأرضية المعيارية والقانونية من زاوية حقوق الإنسان، وعندما نفكر في مواجهة التحديات التي يطرحها تنامي الجريمة. إننا في الواقع بصدد التقاء مسارات متقاطعة، المسار الأول يهم سياسة أمنية آخذة في التبلور منذ بداية الآلفية الثالثة، (تحديدا منذ 2001/2002)، تاريخ التحول الاستراتيجي العالمي الكبير للظاهرة الإرهابية، لكن، كذلك، تاريخ اكتشاف خلايا إرهابية وتكفيرية مغربية، قبل أن يشكل 16 ماي عاملا محددا في تسريع بناء التوجهات الأمنية الجديدة، التي كان عليها أن تواجه تحديا جديدا، مخيفا ومختلفا، بآليات غير مسبوقة، وبهاجس استباقي مبني على المعلومة، وخبرة بشرية كفأة.
لذلك كانت كلمة السر هي (التنسيق)، التنسيق بين الأجهزة المختلفة المكلفة بالأمن الداخلي، ثم التنسيق بين هذه الأجهزة ونظيرتها المكلفة بالأمن الخارجي، ثم التنسيق في مستويات أكبر مع دول أوروبية وعربية وغيرها. وإذا كان العجز المعلوماتي الفادح حول الامتدادات البشرية للفعل الإرهابي، قد جعلت الدولة، مباشرة بعد 2003، تلجأ إلى تقنية الاشتباه الجنائي المعمم، وهو ما جعل الكلفة الحقوقية لتدبير الملف عالية، باعتراف من أعلى السلطات السياسية، وتأكيد من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان آنذاك، فإن التدبير الأمني لملف الإرهاب فيما بعد سيعرف الكثير من الفعالية الاستباقية، ويبدو اليوم من خلال الإجراءات المتواترة أننا أمام إعاده هيكلة كبرى لأدوات عمل هذه السياسة ومرجعياتها.
المسار الثاني هو مسار الالتزامات الحقوقية للبلاد، سواء تلك التي أصبحت بمثابة مكتسبات يومية للشعب المغربي، أو تلك التي تم تكريسها في الدستور والقوانين، أو تلك التي تتضمنها المرجعيات الحقوقية الدولية التي انخرط فيها المغرب، وهنا فإن مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية، تجعله مطالبا بتفعيل النظام الوقائي المتضمن في مقتضياته، من خلال آلية وطنية جد مهمة سيكون مطروحا عليها المساهمة في القطع مع تواتر اللجوء إلى حالات التعذيب في مخافر الأمن وأماكن الاحتجاز. تواتر قد يكون فعلا لا يؤشر على سياسة ممنهجة، ولكنه في المقابل يظل جد مقلق من الناحية الحقوقية.
إننا في النهاية أمام جدلية قديمة تهم قضيتي الأمن والحرية، لكنها جدلية، ودون أن تتنازل عن تعقدها، باتت اليوم، محكومة بمرجعيات جديدة، لا تسمح من جهة، بالتضحية بالأمن الجماعي والفردي أمام مخاطر الإرهاب، كما لا تسمح بالتضحية بالحريات الفردية والعامة أمام تضخم النزعة الأمنية.