معلقون آخرون، أبدوا تعاطفهم مع الطيار المغربي الذي اعتبروه ضحية حرب لا ناقة ولا جمل للمغرب فيها، ووصفوا مشاركة بلادهم في حرب تبعد آلاف الأميال عن بلادهم مغامرة غير محسوبة العواقب، ودعوا إلى الانسحاب الفوري من الحلف الذي تقوده السعودية.
مثل هذا النقاش لم يكن ينتظر أن يسقط أول ضحية مغربي في حرب اليمن لتنطلق شرارته، فقد بدأ منذ اليوم الأول لإعلان مشاركة المغرب في حملة "عاصفة الحزم" لكنه ظل حبيس المواقع الاجتماعية وبعض الصحف، وتركز حول مدى دستورية قرار الحرب. فقد ذهب مؤيدو قرار المشاركة في الحرب إلى وصفه بأنه مجرد استجابة لطلب دول شقيقة ممثلة في دول الخليج التي تجمعها اتفاقيات أمنية وعسكرية مع المغرب تؤطر التعاون العسكري فيما بينها. أما معارضو المشاركة في الحرب على اليمن فينطلقون من كون قرار الدخول في حرب ينظمه الدستور المغربي الذي ينص على أن مثل هذا القرار يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك بمشاركة الحكومة ورئيسها، وبعد إشعار البرلمان المغربي، وهي اجراءات لم تحترم حيث علم المغاربة بمشاركة بلادهم في الحرب على اليمن عن طريق وسائل الإعلام الأجنبية. وإلى جانب هذا النقاش القانوني طرح نقاش سياسي حول الأهداف من وراء هذه المشاركة، وانقسمت الآراء ما بين من ينظر إلى المكاسب المادية التي يمكن أن يجنيها المغرب من خلال اصطفافه في الحملة التي تقودها دول الخليج الغنية، وبين من يحذر من عواقب مثل هذه المشاركة على استقلالية القرار المغربي وعلى موقع المغرب داخل رقعة شطرنج استراتيجية متحركة ومتقلبة.
لكن بعيدا عن هذه النقاشات التي ظلت محصورة في فضاءات المواقع الاجتماعية لم يخرج أي مسؤول مغربي ليشرح للرأي العام داخل بلاده، لماذا تشارك في هذه الحرب وما هي الأهداف من وراء هذه المشاركة ومن اتخذ قرار المشاركة وكيف تم اتخاذه، وما هي أبعاده الإستراتيجية ومكاسبه المادية؟ عندما سئل رئيس الحكومة المغربي الإسلامي عبد الإله بنكيران عن مشاركة المغرب في هذه الحرب اكتفى بالقول "المغرب شارك والسلام!"
حتى البرلمان المغربي المفترض فيه أنه يراقب الحكومة ويتضمن نوابا محسوبين على المعارضة الرسمية، لم يجرؤ أي نائب داخله أن ينبس ببنت شفة حول دخول بلاده في حرب ذهب حتى الآن ضحيتها طيار مغربي وكلفت ميزانية الدولة المغربية قيمة طائرة حربية تحطمت فوق جبال اليمن.
غياب النقاش الحقيقي حول القضايا الحساسة داخل المؤسسات الرسمية، وسكوت الإعلام الرسمي وشبه الرسمي عن إثارة الأسئلة الحقيقية التي تشغل بال جزء مهم من الرأي العام المغربي، وتهرب المسؤولين المغاربة عن تحمل مسؤولية شرح قراراتهم والدفاع عنها أمام الرأي العام داخل بلادهم، كلها مظاهر الأنظمة السلطوية حيث تغيب المحاسبة ويفقد المواطن الثقة في مؤسسات الدولة التي تتحول في نظره إلى مجرد ديكورات يسكنها ممثلون فاشلون.
في مثل هذه الأجواء العبثية لا غرابة أن يكون جواب رئيس الحكومة المغربية ردا على أسرة الطيار المكلومة، في حالة لو توجهت له بالسؤال عن مصير ابنها المفقود بالقول لهم، حسب منطقه، إنه مات والسلام!