وتزامنت بدايات القصة مع انتشار شائعات تربط بين طلاق الوزيرة المكلفة بالبحث العلمي وعلاقةٍ عاطفية مُفترضةٍ مع وزير العلاقات مع البرلمان، ما جعل الأخير يتعرض لهجوم شرسٍ من بعض خصومه السياسيين في المعارضة، وصل إلى حد وصفه بزير النساء "الذي يخرب بيوت الزوجية".
قوبل هذا الهجوم القاسي باستهجان وتنديد كثيرين، وجعل كثيرين يعلنون تضامنهم اللامشروط مع الوزيرة والوزير، مُنددين بالتدخل في حياتهم الخاصة. واعتبر الوزير المعني أن ما وقع له شبيهٌ بـ"غزوة الإفك" المعروفة في العهد النبوي، مُلوحاً بنيته في المتابعة القضائية لمُهاجميه، قبل أن يأخذ الحدث بعداً آخر، عندما سيقدم على التفاعل مع خبرٍ منشورٍ في الصحافة، عبر تدوينة في "فيسبوك"، فُهم منها تأكيده واقعة التقدم لخطبة السيدة الوزيرة.
هنا، بالضبط ستختلط، في الحكاية، حدود الخاص والعام، وستتغير محددات النقاش، حيث سيعتبر بعضهم أن ثمة وجها عموميا للحدث: أن يقدم وزير على التعدد، في بلد يبقى فيه التعدد، وإن أجازه القانون بشروطٍ، ممارسة اجتماعية جد استثنائية، وأن تقبل وزيرة على أن تصبح ضرةً، في بلدٍ يقر دستوره بالمساواة مبدأ، وبالمناصفة هدفاً، فهذا يحمل من الرسائل السياسية والإيحاءات المعيارية والاجتماعية ما قد يجعله أكبر من ممارسة حقٍ صغير في الحياة الخاصة.
تحول الحدث، في النهاية، إلى تمرين مجتمعي كبيرٍ، في محاولة ترسيم الحدود المُلتبسة بين الخاص والعام، في حياة الفاعلين العموميين. ورجال السياسة ونساؤها، وهُم الفاعلون العموميون، يملكون، أيضاً وبالأساس، حياةً شخصيةً، ولهم حميمياتهم الخاصة، ومثل باقي الناس يمرون، في حياتهم، بحالات من الهشاشة والضعف والأزمات. استثمار هذه الحالات في المعارك السياسية هو بمثابة استعمال أسلحةٍ غير مقبولة في صراعٍ له أسلحته المعروفة: الأفكار والسياسات.
إنهم كذلك آباءٌ أو أمهات، لهم أُسرٌ وعائلات وأصدقاء، والتزامهم السياسي لا يعني أنهم اختاروا، بكل طواعية، التنازل عن حيواتهم الخاصة، وتقاسم لحظات ضعفهم الإنساني العادي مع الجمهور. لذلك، اقتحامُ الأعراض الخاصة، والتشهير بالحياة الخاصة، في المعارك السياسية، أمرٌ مرفوضٌ، وانزلاقٌ غيرُ أخلاقي يدعو إلى الغضب والإدانة.
البرلماني، الوزير، العمدة، القائد الحزبي والفاعل السياسي، أياً كان موقعه، شخصية منشغلةٌ بالشأن العام. وبالتالي، هو بالضرورة في موقع المساءلة والمتابعة والنقد، إنه في قلب الصراع السياسي والتراشق الإعلامي. وموضوع هذا النقد وهذه المساءلة آراؤه السياسية، برامجه الانتخابية، إجراءاته التدبيرية، التزاماته التمثيلية، مواقفه وقراراته العمومية. موضوع هذا النقد وهذه المساءلة وحدودهما هو مقدار مساهمته في الشأن العام، ومقدار مساهمته في المشترك المُجتمعي، وفي الفضاء العمومي. ما دون ذلك من اختيارات شخصيةٍ وعاطفية، من حياةٍ أسرية وحميمية، يدخل في إطار الحياة الخاصة التي يجب أن تبقى بعيدة عن التدافع الانتخابي والتنافس السياسي.
الخلط بين الخاص والعام في الصراع الحزبي معناهُ الإساءة المزدوجة للشخص المستهدف وللسياسة المُمارسة؛ إساءة للشخص، لأن في ذلك اعتداءً على حرمته وحميميته، وإساءة للسياسة، لأنه نقضٌ لموضوعيتها، وتحريفٌ لحقيقتها الأصلية، صراعاً على المشاريع والقيم والبرامج. لكن هذا كله لا يعني أن تحولات العملية السياسية، خصوصا تحت الضغط المتزايد لأثر الانتشار المهول لوسائل الاتصال الحديثة لا زالت تجعل من الحياة الخاصة للسياسيين مساحةً محرمة على التداول العمومي، حيث السياسة تتحول، شيئاً فشيئاً، إلى "فرجةٍ" منظمة على "الحميميات"، على إيقاع ما يعيشهُ العالم من موجة عاتية لتصاعد الاهتمام بالحياة الفردية للفاعلين السياسيين وللقادة.
للحكايةِ وجهٌ آخر، فصاحبنا الوزير الذي سبق له، قبل شهورٍ، أن احتج بشدة على صحافيةٍ داخل قبة البرلمان بدعوى أن لباسها غير محتشم لم يكن يعرف حينها بالتأكيد أنه سيأتي يومٌ لن تجد فيه إحدى زميلاته في الحزب والحكومة من مبررٍ للدفاع عنه وعن خطيبته سوى الحديث عن الحرية الفردية، وعن الحق الشخصي في الحب. قد يتعلق الأمر بقليلٍ من المُبالغة، لكن المؤكد أن هذه الحكاية قد تُخلخل تمثلات حزبٍ بمرجعية إسلامية لمفهوم الأخلاق في علاقته بالحريات الفردية، لكي تُقدم في نهاية التحليل دليلاً آخر على مسلسل "العلمنة الصامتة" الذي يخترق الحزب الإسلامي، في محك تدبيره الشأن العام.