طبعاً، من حق الناشطات النسائيات الاحتجاج، فثمة بالتأكيد ما يدعو إلى ذلك، على مستوى الوضع الاجتماعي والاقتصادي، المتسم بهشاشة قطاعات واسعة من النساء المغربيات، وعلى مستوى استمرار العنف والإقصاء المبني على الجنس، وعلى المستوى المعياري والقانوني، الذي يحتاج إلى المزيد من التأهيل والملاءمة.
لكن مسيرة «ائتلاف المساواة والديمقراطية»، تعني، كذلك، أن الصراع حول قضية المرأة ينتقل تدريجياً من مستوى القيم والمرجعيات، إلى مستوى السياسات العمومية، فالمطالب المرفوعة تنطلق من التوافق المعلن في المرجعية الدستورية والقانونية للبلاد، والمرتبطة، أساساً، بالتقدم الذي حققه دستور 2011، في مسار تمكين المرأة المغربية.
حيث أقر في فصله السادس ضرورة عمل السلطات على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما نصّ فصله التاسع عشر على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الدستور، أو في المواثيق الدولية المصادق عليها.
وهو الفصل نفسه، الذي أكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
من جهته، الفصل الثلاثون، ذهب في اتجاه تنصيص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
وقبل ذلك، كان تصدير الدستور قد اعتبر المشاركة أحد مرتكزات الدولة الحديثة المتواصلة في مسيرة توطيد المؤسسات، حيث أعلن التزام المغرب بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس.
لذلك، فإن جزءاً مهماً من قضايا النساء، اليوم، لا يتعلق فقط، بالإرادة السياسية أو بالملاءمة التشريعية، بل يتعلق بمواصلة جهد السياسات الاجتماعية الموجهة نحو الفئات الأكثر احتياجاً، وهو ما يرتبط كذلك، بسياسات التوزيع الاجتماعي والمجالي، وبالتالي بالشرط الاقتصادي والتنموي العام.
في المُجمل فإنه سواءٌ في الحكومة، أو في المعارضة، فإن الترافع والتدافع بشأن قضايا النساء على النحو المطروح في الفضاء العام، لا يخرج عن الإطار المرجعي الذي يشتغل وِفقهُ الفاعلون السياسيون والمؤسساتيون، والذي يلتزمون بخطوطه الأساسية بغض النظر عن قناعاتهم الأيديولوجية الدفينة.
وطبعاً خارج حدود هذا التوافق المرحلي حول دور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ستظل قضية المرأة في العمق، مسألة تدافع مجتمعي وثقافي لا يخلو من التناقض والحدة.
فقد وُجدت المسألة النسائية منذ بداياتها في قلب التوترات الأيديولوجية، فالموقف من المرأة هو في النهاية، موقف من العالم ومن الحرية. لذلك، فالأمر يتعلق في الأخير بقضية تدافعٍ مجتمعي وقيميٍ، تنتج، دائماً، تقاطبات على مستوى المرجعية.
لذلك، فالمجتمع المدني النسائي والأحزاب السياسية، خاصةً اليسارية، مطالبة بالاختيار بين تعميق وتحصين مضمون التوافق حول المسألة النسائية الذي جسدته الوثيقة الدستورية المتقدمة، بكل ما يلزم ذلك من ترافعٍ وتدبير لمعركة السياسات العمومية، دون تنازلٍ عن الدور التقدمي والتنويري والمجتمعي، الذي تتطلبه قضية المرأة كقضية تُكثّف مسارات الحداثة، أو بين تحويل قضية المرأة إلى قضية معارضة «أيديولوجية» للحكومة، وهنا، فإن هذا الاختيار- بغض النظر على كُلفته السياسية – يتطلب نقل المطالب المرفوعة من سجلّ السياسات إلى سجلّ القيم، وهذا ما يصطدم بالطريقة التي دبّرت من خلالها الحكومة لحد اليوم ملف «المرأة»، والمعتمدة، أساساً – خارج بعض الانزياحات الخطابية غير المقبولة – على الانطلاق من أرضية المشترك الدستوري والوطني للدولة المغربية.
بلغة أُخرى، فإن الاحتجاج ضد الحكومة، أمرٌ طبيعي وعاد، لكنه بحكم السياق لا يمكن أن يكون سوى احتجاج سياسي، وهنا، فمحاولة «أدلجة» هذا الاحتجاج وتصويره كانتفاضة للتيار الحداثي على الحكومة «الرجعية»، أمرٌ لن يخدم في النهاية لا «المعارضة» ولا «النساء»!