وككل مناسبة يتوقف مناصرو الحركة وخصومها لذكر مزاياها وتعداد أخطائها، سواء من باب الحنين إلى إحياء جذوتها أو لتوجيه النقد لها بعد أن خبا وهجها.
وبعيدا عن إصدار أحكام قيمة على حركة مازالت شعاراتها حاضرة بقوة وروحها حية تنبض بالحياة، يجب الوقوف عند ما حققته هذه الحركة من نجاحات لعل أهمها قدرتها على بعث الحياة في الشارع وخلخلة موازين القوى السياسية مما دفع صاحب السلطة الحقيقية في المغرب، أي المؤسسة الملكية، إلى الإسراع بتقديم تنازلا كبيرة تمثلت في الكثير من الوعود بإصلاحات سياسية.
النجاح الثاني الكبير للحركة تمثل في قدرتها على صهر الكثير من التعبيرات السياسية والثقافية داخل بوتقة واحدة، وتحت شعارات مختلفة وفي أكثر من مدينة وقرية في المغرب وعلى مدى سنة ونيف. أما النجاح الثالث الباهر للحركة فتجسد في قدرتها على إعادة ثقة الناس في السياسة، وخاصة فئة الشباب الذين كانوا رمز هذه الحركة ومحركها.
لكن ككل حركة احتجاجية في التاريخ تخلق لها أعدائها اللذين يتصيدون أخطائها للإيقاع بها، وقد نجحوا في فعل ذلك. العدو الأول لهذه الحركة كان هو الأحزاب السياسية والنقابات العمالية التي إما حاربتها حتى قبل انطلاقها، أو تعاملت معها بانتهازية لما رأت أولى ثمارها. والعدو الثاني الكبير للحركة تمثل في تناقضات مكوناتها التي اختلقت حول تحديد سقف مطالبها، وانقسمت حول توحيد موقفها من تنازلات القصر، وفشلت في تكوين جبهة موحدة للحفاظ على قوتها وزخمها. أما العدو الآخر للحركة فكان هو عامل الزمن، إذ أدى استمرارها على مدى شهور بل وسنين إلى إنهاك قواها، وإتاحة الفرصة لخصومها لربح الوقت والقضاء عليها بهدوء وعلى مراحل طويلة.
اليوم، وبعد مرور أربع سنوات على هذه الحركة يطرح السؤال ماذا تبقى منها؟ وقبل البحث عن جواب لهذا السؤال المحير، لا بد من تسجيل أن الحركة كفعل احتجاجي انتهت وكل محاولة لإعادة أحيائها بصيغتها الأولى تبقى غير منتجة لأن السياقات والظروف التي أفرزتها لن تتكرر لأن التاريخ لا يعيد نفسه، وحتى عندما يحدث ذلك فإنه يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة، كما تقول الماركسية.
أما ما تبقى من الحركة، فمازالت شعاراتها حول الحرية والديمقراطية والكرامة، قائمة إلى أن تتحقق، وحتى لو تحققت كمطالب فستبقى كقيم تغنيها مطالب الأجيال وتثريها تجارب الشعوب. وما لا يمكن أن ينطفئ هو روح الحركة التي ستظل مشتعلة مثل جذوة أمل تضيء مسار طالبي الحرية ومنشدي الديمقراطية والمتطلعين إلى تحقيق العدل وصون الكرامة.
وعندما ننظر اليوم إلى الواقع نجد أن الأسباب التي أدت إلى إطلاق هذه الحركة قبل أربع سنوات مازالت قائمة، وهي كما لخصها شعارها الاستبداد والفساد، لكن مع فارق كبير يتمثل في حاجز الخوف الذي تخطته الشعوب بالأمس وعاد اليوم ليهيمن عليها تدريجيا. فالخوف يبقى هو السلاح الفعال لإخضاع الشعوب والسيطرة عليها، وكسر حاجزه هو الذي يصنع الثورات ويخلق المعجزات.