ويقصد بـ"الربيع العربي" ثورات اندلعت في عدة دول عربية، بينها تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، للمطالبة بتداول السلطة وإتاحة الحريات، ما انتهى إلى الإطاحة بعدد من الحكام، قبل أن يشهد عدد من تلك الدول تطورات أٌطلق عليها إعلاميا بـ"الثورات المضادة".
بن عبد الله، وهو أيضا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (يساري مشارك في الائتلاف الحكومي)، مضى قائلا، في مقابلة مع وكالة الأناضول، إن الحكومة لم تدخل في صراع مع المؤسسة الملكية، بل تعمل على أساس أن تتكامل مع تلك المؤسسة.
ورأى أن "الفرق بين ما وقع في مصر وتونس، وما وقع في المغرب، ونجاح التجربة المغربية، هو أن الحكومة المغربية غير مكونة فقط من التيار الإسلامي، بل هي متعددة الأطراف، ومن ضمن مكوناتها حزب يساري هو التقدم والاشتراكية".
وفي مصر نجحت جماعة الإخوان المسلمين في الوصول إلى الحكم عبر الانتخابات، عقب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس آنذاك، محمد حسني مبارك، لكن في عام 2013 جرت الإطاحة بالرئيس حينها، محمد مرسي، المنتمي للجماعة، إثر احتجاجات شعبية مناهضة له، في خطوة يعتبرها أنصار مرسي "انقلابا عسكريا" ويراها مناهضون له "ثورة شعبية".
أما في تونس، وعقب الثورة التي أطاحت عام 2011 بالرئيس حينها زين العابدين بن علي، فقد اضطر ائتلاف حكومي ثلاثي، وصل للحكم عبر انتخابات، بقيادة حزب حركة النهضة (إسلامي) وعضوية حزبين أحدهما يساري والآخر ليبرالي، إلى الخروج من الحكم عام 2014 لصالح حكومة غير حزبية، إثر احتجاجات شعبية تحمل الحكومة المسؤولية عن اغتيال معارضين يساريين اثنين.
وقال الوزير المغربي إنه "كان لحزب التقدم والاشتراكية (اليساري) دور في المساعدة على الاستقرار، وفي المساعدة على المحافظة على التوجهات الأساسية للبلد، والمساعدة على التوفيق بين المقومات لضمان الاستقرار والتوازن المؤسساتي من جهة، والقيام بالإصلاح من جهة أخرى".
وبشأن احتمال التحالف مع حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، قائد الائتلاف الحاكم برئاسة عبد الإله بنكيران، عقب الانتخابات التشريعة عام 2016، أجاب بن عبد الله بأن حزب "التقدم والاشتراكية" سيواصل التحالف الحالي إلى نهاية هذه التجربة الحكومية (أواخر العام المقبل)، وبعد الانتخابات سيقرر حزبه تحالفه مع العدالة والتنمية من عدمه، عندما يطرح عليه الأمر .
وإلى نص المقابلة:
• ما هو تقييكم لأداء الحكومة المغربية بعد عام ونصف من الانتخابات التشريعية ؟
- تقييم إيجابي بشكل موضوعي، وليس تقييما إيجابيا انطلاقا من كوننا ننتمى للحكومة؛ فهذه الحكومة استطاعت في ظرفية سياسية واقتصادية خاصة أن تقوم بعمل جاد على عدة مستويات.
فعلى مستوى ما عرفه المغرب من اضطرابات (احتجاجات في المملكة تزامت مع أحداث الربيع العربي ورفعت مطالب سياسية ومعيشية) كما هو الشأن بعدد من الدول العربية، مارست الحكومة صلاحياتها منذ عام 2012، واستطاعت أن تقوي جو الثقة والاستقرار، في إطار تضافر جهودها مع توجهات العاهل المغربي، محمد السادس، وهذا أمر أساسي ولا يستهان به. في الوقت الذي كان البعض ينتظر فيه أن تكون هناك اضطرابات وصراعات على مستوى الصلاحيات ما بين الحكومة المغربية والعاهل المغربي، فإن ذلك لم يحدث، بل إن الحكومة تعتبر أن رئيس الجهاز التنفيذي هو العاهل المغربي.
• وما هي أبرز التحديات التي واجهت الحكومة المغربية ؟
- القول بأن البلد لم يشهد اضطرابا ولا صراعا على صلاحيات تدبير البلاد يعتبر تحديا أساسيا، خصوصا أن البلد يعرف اليوم أجواء مستقرة.
والتحدي الثاني هو أن الحكومة المغربية تحملت المسؤولية في ظل غليان اجتماعي في البلد، ما بعد الربيع العربي، حيث كانت تعرف البلاد مظاهرات واحتلالات للأماكن العمومية والوزارات (إضرابات من طرف العمال حيث ينظمون اعتصامات داخل هذه الأماكن)، وهذا الأمر انتهى.
كانت هناك صرامة لاسترجاع هيبة الدولة، دون أن يتم ذلك في إطار التسلط أو الظلم. بل عكس من ذلك تم إيجاد حلول للعديد من الملفات.
وهناك العديد من التحديات الكبيرة المطروحة على الحكومة المغربية، حيث شهدت بعض الملفات انحرافا حقيقيا، على رأسها المالية العمومية، وأنظمة التقاعد وصندوق المقاصة (نظام دعم بعض المواد الغذائية والمحروقات)، وفي كل هذه القضايا وفي جو اقتصادي صعب، ذهبت الحكومة إلى عمق الأمور، واستطاعت أن تتحكم في التوازنات الماكرو - اقتصادية (الاقتصاد الكلي) الأساسية، وانخرطت في إصلاح هذه الملفات.
• حكومة عبد الإله بنكيران هي الوحيدة من بين الحكومات العربية التي قادها إسلاميون، وبقيت في السلطة بعد الربيع العربي، فما هي وصفة نجاح التجربة المغربية؟
- سر نجاح الحكومة المغربية، على المستوى الإقليمي بعد الربيع العربي، هو أنها تضم إسلاميين ويساريين، فضلا على أنها لم تدخل في صراع مع المؤسسة الملكية.
واستطاعت الحكومة أن توفق بين الرغبة في الإصلاح وبين التعامل مع المؤسسات المغربية القائمة كما هي، ومع الواقع المغربي كما هو، وعلى رأس ذلك أن يكون هناك تفاهم بين عمل الحكومة والمؤسسة الملكية، أي أن هناك تفاهما بين العمل الحكومي ومكانة المؤسسة الملكية ودورها في البلاد والتوجهات الأساسية للمؤسسة الملكية.
والحكومة المغربية لم تدخل في صراع مع المؤسسة الملكية، التي تعتبر مؤسسة أساسية، بل عملت على أساس أن تتكامل مع هذه المؤسسة. كما أن للعاهل المغربي دور أساسي في التوجهات الكبيرة للبلاد كما ينص على ذلك الدستور المغربي، وهذا سر نجاح هذا الحكومة، واستطاعت أن تكذب من رأى أنها سوف تحدث اضطرابا في البلد، في حين أن الحكومة مارست صلاحياتها .
والفرق بين ما وقع في مصر وتونس وما وقع في المغرب ونجاح التجربة المغربية، هو أن الحكومة المغربية غير مكونة فقط من التيار الإسلامي، بل هي متعدد الأطراف، ومن بين مكوناتها حزب يساري اسمه "التقدم والاشتراكية" كان له دور في المساعدة على الاستقرار، وفي المساعدة على المحافظة على التوجهات الأساسية والمساعدة على التوفيق بين المقومات لضمان الاستقرار والتوازن المؤسساتي من جهة والقيام بالإصلاح من جهة أخرى.
• يتكون الائتلاف الحكومي من حزب العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية.. وهناك من يرى وجود اختلاف حول بعض الملفات الشائكة بين الإسلاميين واليساريين في الحكومة.. فما مدى تأثير ذلك على انسجام العمل الحكومي؟
لكل واحد من الأحزاب المشاركة في الحكومة مرجعية وتصورات معينة، وبالتالي طبيعي أن تكون هناك بعض التباينات في بعض القضايا، لكن الأهم من كل هذا وذاك، هو قدرة كل طرف على تدبير هذه القضايا بكثير من الرزانة والحكمة، وأن لا يؤدي ذلك إلى ضرب استقرار الحكومة أو تناغمها، وطبيعي أن ندافع من داخل حزب التقدم والاشتراكية عن المناصفة (المساواة) بين المرأة والرجل، وعن الحريات الجماعية والحريات في المجال الفني، وعن بعض القضايا التي تميزنا، وطبيعي أن يكون هناك إلحاح من قبل الحزب على القضايا الاجتماعية.
كما أنه من الطبيعي لحزب يتغذى بفكر محافظ (في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية) أن تكون له مواقف مخالفة. ولكن الأهم هو أن كل طرف يسعى إلى الاقتراب من الطرف الآخر للوصول إلى تقدم في المجتمع وفي عدد من القضايا.
• هل سيتحالف حزب التقدم والاشتراكية مع حزب العدالة والتنمية بعد انتخابات التشريعية لعام 2016؟
الآن نحن في بداية عام 2015، وبدأ التحالف عام 2012، وسنواصل هذا التحالف إلى نهاية هذه التجربة الحكومية (تنتهي الولاية الحكومة أواخر 2016)، وعندما سيطرح علينا التحالف خلال 2016، وبالنظر للأوضاع العامة للبلاد، والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وللمصلحة العليا للبلد، سنقرر في حزب التقدم والاشتراكية أين سنتوجه بشكل طبيعي ومع من سنتحالف.
• خارجيا.. وجدت الحكومة المغربية صعوبة في تدبير بعض الملفات، مما أدى إلى أزمة مع باريس والقاهرة.. فما رأيك ؟
- المغرب هو بلد يسعى دائما إلى أن تكون له علاقات طيبة مع كل البلدان الصديقة، والمغرب له ملف أساسي وهو ملف الصحراء، وفي هذا الملف لنا حساسية كبيرة، ولا يمكن أن نفرط في شبر واحد من وحدتنا الترابية أو من سيادتنا الوطنية.
وبالتالي فإن علاقة المغرب مع عدد من الدول، بما فيها العربية ينطلق بداية من ذلك التوجه المغربي الذي يريد حسن الجوار والعلاقة الطيبة مع كل الأصدقاء.
لكن في بعض الأحيان عندما تكون المصلحة الوطنية مطروحة في الميزان، وإذا تم استهداف قضية الصحراء، نعبر عن رفض الأمر، ويتم التعبير عن المصلحة الوطنية حتى يتم احترام المغرب وسيادته وكرامته وحقوقه، وهذا الأمر ينطبق على كل الدول التي تربطنا بها علاقات تاريخية، سواء تعلق الأمر بملف فرنسا أو مصر أو دول أخرى. وهذا هو الخط الاستراتيجي للمغرب.