ففي مصر، حذرت دار الإفتاء من إقدام صحيفة "شارلي إبدو" الفرنسية على نشر عدد جديد مسيء للنبي محمد، واصفة الأمر بأنه "استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار ونصف مسلم عبر العالم يكنون الحب والاحترام للنبي".
وفي بيان للإفتاء تلقت "الأناضول" نسخة منه، رأت دار الافتاء أن "هذا العدد سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في المجتمع الفرنسي والغربي بشكل عام، كما أن ما تقوم به المجلة لا يخدم التعايش وحوار الحضارات الذي يسعى المسلمون إليه، مما يعد تطورًا خطيرًا مناهضًا للقيم الإنسانية والحريات والتنوع الثقافي والتسامح واحترام حقوق الإنسان كما أنها تعمق مشاعر الكراهية والتمييز بين المسلمين وغيرهم".
وطالبت دار الإفتاء "الحكومة الفرنسية والأحزاب والمنظمات الفرنسية بإعلان رفضها لهذا الفعل العنصري من قبل المجلة، التي تعمل على إثارة الفتن الدينية والنعرات الطائفية وتعميق الكراهية والبغضاء، وتؤجج الصراع بين أتباع الحضارات والديانات، فضلاً عن أنها تهدم الجهود التي تبذل لتعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب".
كما أدانت دار الإفتاء "تزايد الاعتداءات التي تعرض لها بعض المساجد في فرنسا عقب العملية الإرهابية" التي ضربت البلاد الأسبوع الماضي.
بدوره، دعا وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني يوسف ادعيس، الحكومة الفرنسية "للضغط على صحيفة شارلي إبدو ومنعها إعادة نشر رسوم مسيئة للنبي".
وفي تصريحات خاصة عبر الهاتف، قال الوزير لوكالة الأناضول: "نتمنى أن تمنع الحكومة الفرنسية هذه الصحيفة من نشر ما يسيء إلى النبي، وخاصة أننا كمسلمين قمنا بإدانة الجريمة التي وقعت ولن نرضى بها".
وأضاف: "عليهم أن يراعوا مشاعر المسلمين، وعلى الحكومة ألا تسمح بذلك بدعوى حرية النشر والتعبير، كونها تمس مشاعرنا وعقيدتنا"، متابعا: "إعادة نشر الصور يؤجج مشاعر الغضب للمسلمين وإثارة للعنف في كل مكان".
وبشأن إمكانية إثارة موجة غضب في أوساط المسلمين عقب نشر العدد، قال ادعيس: "نحن دعاة دعوة سمحة لا تشجع على العنف والإرهاب، وأدعو المسلمين إلى التروي ومعالجة الموضوع بعيدا عن العنف والإرهاب".
وفي نفس الاتجاه، استنكر حسن الصيفي، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، نية صحيفة "شارلي إبدو"، الفرنسية، نشر رسوم كاريكاتور مسيئة للنبي، معتبرا نشرها "مخالف للمواثيق الدولية، واحترام الأديان".
ورأى الصيفي في تصريحات لـ"الأناضول" أن "نشر الكاريكاتور، سيثير موجة غضب عارمة في البلاد الإسلامية"، داعيًا "الحكومة الفرنسية، لمنع نشره، وإغلاق المجلة، التي افتعلت وبدأت بالإساءة للمسلمين ونبيّهم".
وتابع: إن "سمحت فرنسا بنشر هذه الرسوم، فإنها قد تدفع بالمسلمين لردود فعل لا يريدها أحد، نخشى أن تتكرر حادثة شارلي إبدو، نحن لا نؤيد قتل أي شخص مهما كانت ديانته، ودومًا سنلجأ للاحتجاج بصورة سلمية وقانونية".
ووصف الصيفي نشر "شارلي إبدو" للكاريكاتور بـ "الخطأ الفادح" الذي يجب تداركه في أسرع وقت، حتى "لا يخلّف ردود فعل سلبية".
وفي العراق، أبدى ديوانا الوقفين الشيعي والمسيحي في العراق (مؤسستان تنظمان شؤون الشيعة والأقليات الدينية) رفضهما نشر صور مسيئة للرسول محمد، معتبرين ذلك "نصرًا لتنظيم داعش والجماعات الإرهابية".
وفي تصريحات للأناضول، قال عباس الساعدي، أمين عام العتبات (المزارات) الشيعية بديوان الوقف الشيعي، إن "ما ستقوم به الصحيفة الفرنسية يوم غدٍ من إعادة نشر الصور المسيئة للرسول محمد سيكون نصرًا لتنظيم داعش والجماعات الإرهابية".
وأوضح أن "النبي محمد لا يمثل فكر داعش حتى تقوم الصحيفة بالرد على الهجوم الإرهابي بالإساءة إلى النبي، الفكر الارهابي لا يمثل سُنة النبي، ولا الرسالة السماوية، الإساءة إلى النبي لا تخدم أي طرف بما فيها فرنسا".
وأضاف الساعدي: "أصدرنا قبل شهر من الآن كتابًا وترجمناه الى اللغة الفرنسية كي يطلعوا على موقف المسلمين من الفكر الارهابي، نحن في العراق سنُة وشيعة ومسيحيين وجميع الديانات الأخرى أول المتضررين من الفكر الإرهابي، وعلى القائمين على الصحيفة الفرنسية أن يدركوا ذلك، وأن يعيدوا النظر بسعيهم الإساءة إلى الرسول".
وأشار إلى أن "سنُة الرسول محمد لم تبح الدم، والرسول كان يتعايش مع اليهود ويتاجر مع الأديان الأخرى، إلا أن داعش أساءت إلى الرسول بالاعتداء على الصحيفة الفرنسية قبل أن تسيء إلى الصحيفة والمجتمع الفرنسي، وأصدرنا موقفنا بالرفض والشجب".
وتوقّع أمين عام العتبات الشيعية في العراق أن "نشر الصور المسيئة للرسوم محمد ستزيد الكراهية بين المجتمعات الغربية والمسلمة".
ومضى قائلا: "نحن نتفق معهم على الخطوط الوسطى، بمحاربة داعش والجماعات الدينية المتطرفة"، داعيا الحكومة الفرنسية إلى "الضغط على الصحيفة لردعها عن نشر أي صور من شأنها خدمة أهداف داعش".
كما حذر ديوان الوقف المسيحي والأقليات الدينية في العراق من خطورة إعادة نشر الصور التي تسيء للرسول محمد، داعيا صحيفة "شارلي إبدو" إلى "عدم توجيه إهانة لملايين المسلمين ردا على اعتداء إرهابي من قبل جماعات لا تمثل الإسلام".
وقال مارتن هرمز، عضو ديوان الوقف المسيحي، لـ "الأناضول"، إن "رد الصحيفة الفرنسية على الاعتداء الإرهابي الذي طالها الأسبوع الماضي لا يكون بتوجيه إساءة وإهانة لملايين المسلمين، إنما في العمل والتنسيق بين الدول لتجفيف منابع الإرهاب والسيطرة على فكر تلك المنظمات".
وأضاف هرمز أن "الرد الذي تعتزم الصحفية الفرنسية القيام به لن يستهدف الجماعات الإرهابية التي لا تمثل أي طائفة مسلمة، وهو توجه خاطئ، سيؤدي إلى الفوضى بين الديانات، وهو ما يسعى إليه تنظيم داعش".
وناشد هرمز صحيفة "شارلي إبدو" بـ "التراجع عن توجيه أي إهانة لمعتقدات الآخرين، ورسالتنا إلى الشعب المسلم أن يكونوا دائما يقظين أمام جميع المحاولات التي تبث الفكر المتعصب الذي يولد مزيدا من الكراهية بين المجتمعات".
وفي الكويت، وصف مطلق القراوي، الوكيل المساعد بوزراة الأوقاف الكويتية سابقًا، اعتزام صحيفة "شارل إيدو" نشر صور مسيئة للرسول بأنه "رد فعل للصحيفة لكنه غير صحيح".
وقال القراوي للأناضول إن إعادة نشر رسم كاريكاتير للرسول من شأنه أن يثير حفيظة المسلمين الذين يمثلون أكثر من 30% من سكان العالم.
وأضاف: "يفترض أن تتصف العلاقات الإنسانية بالاحترام والسماحة سواء من المسلمين أو غير المسلمين".
وتوقع القراوي حدوث مظاهرات احتجاجية إذا ما أعيد نشر هذه الصور، مضيفا: "حتى من لا يتظاهر سيتأثر سلبا".
من جهته، قال محمد الراشد، رئيس تحرير مجلة المجتمع، التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي، إن إعادة نشر الرسوم ستنعكس سلبا على الفرنسيين وسيخسرون التعاطف الذي حدث معهم.
وأوضح أن هذا سيؤثر على المسلمين في الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا وسيثير مشاعرهم وسيضفي توترا داخليا.
وبسؤاله عن ردة الفعل المتوقعة في الدول العربية، قال الراشد : "لا أعتقد أن هناك قدرة لتنظيم مظاهرات احتجاجية في الدول العربية بسبب ما يحدث فيها سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن".
وأشار إلى أن المنظمات الإسلامية يمكن أن تحتج، مبينا أنه يمكن اللجوء إلى القضاء الفرنسي ومحاكمة الصحيفة عن نشرها رسوما مسيئة.
وتابع : "في الوقت الذي نرفض فيه إزهاق الأرواح والجريمة التي حدثت بالصحيفة فإننا نرفض أيضا الإساءة للنبي والتعرض له".
ودعا الراشد لتحرك إسلامي من المنظمات الإسلامية والدول العربية والإسلامية للتوجه للمنظمات الدولية واستصدار قرار يمنع بموجبه المس بالأديان والرموز الدينية والأنبياء.
وفي الأردن، دعا وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، هايل عبدالحافظ داود، المسلمين إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية وعدم زيارة فرنسا للضغط على حكومة الأخيرة لمنع نشر كل ما هو مسيء للرموز الدينية في وسائل إعلامها.
وقال داود، في تصريح لوكالة الأناضول: "لا بأس من قيام المسلمين بحملة لمقاطعة منتجات فرنسا وعدم زيارتها حتى تمنع نشر مثل هذه الرسوم المسيئة للرموز الدينية".
وفيما أعرب عن رفض بلاده للإرهاب بشتى أنواعه ووقوفها ضده، طالب داود الدول العربية والإسلامية بالرد على فرنسا من خلال جميع وسائل الإعلام، والقنوات الدبلوماسية.
وأكد وقوف بلاده إلى جانب الحريات الإعلامية وحرية الرأي والفكر وفق ضوابط تمنع الإساءة لرموز دينية، معتبرا أنه من "غير المعقول أن يحاسب من يسيء برأيه لشخصيات وينتقدها ويكون الاعتداء عليه له نص قانوني بينما تندرج الإساءة لشخصية بحجم النبي صلى الله عليه وسلم تحت بند حرية الرأي والفكر".
وأوضح أنه "على أن فرنسا إذا أرادت محاربة الإرهاب والتطرف، فإن عليها أن تمنع نشر مثل هذه الرسوم الاستفزازية المتطرفة فكريا، كونها تعطي الذرائع للإرهاب المسلح للقيام بأفعاله".
وتوقع داود أن "تتجدد الأعمال الإرهابية للرد على هذه الرسوم لكون الأخيرة تعطي المجال لنشوء الإرهابيين وتعطيهم الأسباب للقيام بأعمال على غرار الهجوم الأخير على الصحيفة".
ومن المنتظر أن تنشر صحيفة "شارلي إبدو"، غدا الأربعاء، أول أعدادها بعد الهجوم الدامي الذي أودى بحياة عدد من صحفييها، الأربعاء الماضي، متضمنا رسما كاريكاتوريا جديدا على غلافها للنبي محمد خاتم المرسلين، حسب أحد رسامي الصحيفة.
ووفق ما نشره، باتريك بيللوكس أحد رسامي الصحيفة، فإن عدد الغد سيشمل على صفحة الغلاف رسم كاريكاتوري للنبي محمد والدموع تنهال من عينيه، حاملا لافتة مكتوب عليها "أنا شارلي"، في إشارة إلى عبارة كانت رمزا للتضامن مع الصحيفة في الأيام الماضية ضد الهجمة التي تعرضت لها.
وأعلى الرسم الساخر من الرسول محمد، دونت عبارة "الجميع مغفور له"، كما تضمن الغلاف عبارة "عدد غير مسؤول"، باللون الأحمر.
وقتل 12 شخصًا، بينهم رجلا شرطة، و8 صحفيين، وأصيب 11 آخرون، الأربعاء الماضي، في هجوم استهدف مقر صحيفة "شارلي إبدو"، الأسبوعية الساخرة في باريس، أعقبته هجمات أخرى أودت بحياة 5 أشخاص خلال الأيام الماضية، فضلًا عن مصرع 3 مشتبه بهم في تنفيذ تلك الهجمات.