القائمة

الرأي

هل تدخل الحوادث الإرهابية على فرنسا ضمن مخطط صدام الحضارات؟

ما حدث بفرنسا يذكر ب 11 شتنبر 2001  الأمريكي بدمويته ومأساويته ، ببعض مكوناته و ربما ببعض بتداعياته الجيواستراتيجية . 

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

هل يكون ما يعتمل اليوم بفرنسا مخططا جديدا في نسخته الفرنسية ؟

سطحيا يبدو أن الفاعلين المباشرين " أفراد مسلمون " ويشهرون إسلامهم كسلاح ضد "أعداء " هم أولا وأخيرا رسامون وصحفيون يعبرون بالريشة والقلم عن أفكارهم ومنهم من أساء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم عدة مرات برسوم كاريكاتورية يفترض أنها تمس بقدسيته .

والنتيجة أن 12 صحفيا توفي ومعهم رجل أمن فرنسي ومسلم اسمه أحمد لمرابط .

عمليا تم قتل كفار وأيضا مسلمين دفاعا عن نبي الإسلام كما يظن الفاعلون .

هنا يمكننا التساؤل : هل بهكذا طريقة ندافع فعلا عن الإسلام ؟

هل كان ضروريا استعمال الرشاش مكان القلم والريشة للرد على من يمس بقدسية "نبي الإسلام "رمزيا من خلال الرسوم ؟ ألا يوجد ضمن المليار ونصف مسلم من هو قادرعلى رد الصاع صاعين بنفس الوسائل والأدوات ؟

هذا إذا هدفت الصحيفة فعلا لإيذاء الإسلام بالضبط علما أنها تهاجم كل الأديان وحتى اللادين بهدف السخرية والضحك ليس إلا حوادث لزرع الصراع داخل فرنسا ؟

ويبقى السؤال الجوهري : هل تصب النتائج المحققة فعلا لصالح الإسلام والمسلمين بفرنسا وأوروبا والغرب عموما علما أن مساجد فرنسا باتت البارحة تحت قصف ممنهج وأضحى ملايين المسلمين المقيمين "بالغرب" هدفا " للاتهام والحقد والكراهية والعنصرية وبالتالي هدفا للمزيد من التهميش والإقصاء...

وباتت القوى اليمينية أكثر حظا للفوز السياسي في الانتخابات القادمة من منطلق "عنصريتها " وتشنجها المماثل كثيرا لتشنج المتطرفين الإسلاميين على الأقل فكريا ؟

علما أن التطرف لا "دين له " و "الإرهاب أيضا لا دين له . فكلاهما يتبنيان الإقصاء والنبذ وكراهية الآخر...ويبنيان القوة المفترضة على التقوقع الهوياتي وعقدة التفوق الحضاري على باقي الثقافات والحضارات والأمم .

وهنا يمكننا التساؤل عن :

من هم الفاعلون الكامنون أو غير المباشرين ؟

أو ليس لمخططي مسار "صدام الحضارات " من طرف بعض دهاة العالم لمزيد من التحكم السياسي والجيواستراتيجي .مسؤولية في ما حدث وما زال يحدث للعالم من عنف ودمار تحت مسوغات مختلفة من بين أدواتها : "صراع الأديان "؟

أو ليس هناك فاعلون "كامنون " قد يكونون مخططين من العيار الثقيل، من نوع" بيرنار ليفي " مختبئون في جحورهم يخططون بكامل الخبث والدهاء لنشر الرعب في العالم وخصوصا إعادة تقسيم خرائطه الجيوسياسية والبشرية بمكوناتها الاثنية والعرقية والعقدية .

ولقد جاء دور فرنسا "باعتبارها الدولة الأوروبية التي تحتضن أكبر جالية إسلامية ،باتت تنبيء بتغير مطرد في التكوين الديمغرافي والثقافي نحو فرنسا المتعددة الهويات. وباعتبارها أيضا راحت تنسج علاقات إقليمية لا تخدم أجندات بعض الجهات.

أو ليس للاعتراف بالحق في الدولة الفلسطينية وكذا الاعتراف الأممي بالعضوية الفلسطينية خيط ما في الوضوع علما أن ما حدث حدث من فاعلين نفذوا جريمتهم باحترافية عالية ؟

أو ليس ضمن الفاعلين غير المباشرين أيضا جملة من شيوخ الفكر الجهادي، الذي يعتمد على ترسانة من الفكر التراثي الذي تم نسبه للإسلام .والذي يتضمن بدون منازع تحريضا علنيا على قتل " الكافر " و"المرتد" وفرض الجزية عليهم... وما إلى ذلك من "تعليمات" قد تكون لها فاعليتها ومبرراتها في زمن تفصلنا عنه عشرات القرون.

وبالتالي أوضاع كونية معاصرة بمحدداتها الاقتصادية والفكرية والسياسية تتطلب بالضرورة من الإسلام و المسلمين إبراز قدرتهم على حد أدنى من الانسجام معها من أجل تعايش سلمي وبناء وتعاوني مع باقي الشعوب والحضارات والثقافات ؟

لقد بات من الضروري والمستعجل لتحقيق هكذا هدف ضرورة تنظيف تراثهم مما يعوق هذا التعايش المتوخى كي لا يكون المسلمون ذلك النشاز الغريب داخل المنظومة الكونية وتوجه إليهم تهمة "التخلف عن " الركب الأممي من حيث تبني القيم الكونية المتعارف عليها..

ولعل هذا الشرط يفضي بنا بالضرورة للتموقع ضمن المسار الأكثر ضمانا للأمن العالمي وللتعايش الحضاري والثقافي بين ساكنته :مسار "حوار الحضارات " ومسار التثاقف والتفاعل البناء والسلمي والراقي -عوض المسار الصراعي الذي يخطط له تجار الحروب و المآسي البشرية بأنواعها....سواء ذوي البذلات العسكرية أو الدينية المتطرفة أو أولئك الذين يبنون مجدهم العسكري والسياسي على جثت ركامات الجثت من الأبرياء .

وقد تكون خلاصة تحليلنا :

أن من يتعامل مع "الإسلام " كمتهم رئيسي وأوحد مخطيء.لأن العوامل المحددة لبروز الإرهاب وانتشاره توجد خارج المعطي العقائدي. وأن من يبرئه تماما ونهائيا ،بعيد عن الحيادية والموضوعية .

ذلك أن منفذي هذه الأفعال الشنيعة يقومون بها من منطلقات عقائدية وطمعا في "حور الجنة " ومعاقبة لمختلفين عنهم يعتبرونهم "أعداء ...وينطقون ب"باسم "الله أكبر " كشعار مقدس يشترك فيه مليار ونصف مسلم وتلطخه فئة جد محدودة كانت ضحية شحن اديولوجي متطرف يمتح روافده من التراث الديني الأكثر عتمة وربما الأكثر منالا وتداولا عبر الكثير من الهيئات ووسائط الاتصال الحديثة منها والعتيقة التي نجحت في اختراق عقول شباب بالغ الهشاشة الاجتماعية والنفسية فسهلت تعبئته بشحنات من الكراهية والحقد تحت يافطة الدين...

لا خيار للبشرية إذن غير اجتثات جذور العنف أنى كانت، فوحدها المحبة قمينة بضمان السلام في العالم .

والله ليس بحاجة لمن يدافع عنه بالوسائل الهمجية التي تستبيح أرواح الناس بشكل مبتذل لا يمكن للخالق أو رسله أن يقبلوه بتاتا علما أن الله وحده يملك حق إنهاء حياته مخلوقاته .

منبر

عائشة التاج
أستاذة وباحثة
كاتبة وباحثة