القائمة

الرأي

الشعوب المغاربية و الوحدة المعلقة

 

"كلّما كانت الدولة فاسدة ،كلما زادت القوانين ".كورنيليوس تاسيتوس
وحدة ملجمة :
هل تكفي الحدود و القوانين المنظمة أو بالأحرى "اللاجمة " لكل أشكال التفاعل ما بين الشعوب للحد من حركيتها المجالية وكذا من باقي تفاعلاتها البينية والتي تهم بالتأكيد كل المجالات ؟؟؟
وإلى أي حد تعكس هكذا قرارات "فوقية "تطلعات هذه الشعوب؟؟

"كلّما كانت الدولة فاسدة ،كلما زادت القوانين ".كورنيليوس تاسيتوس
وحدة ملجمة :
هل تكفي الحدود و القوانين المنظمة أو بالأحرى "اللاجمة " لكل أشكال التفاعل ما بين الشعوب للحد من حركيتها المجالية وكذا من باقي تفاعلاتها البينية والتي تهم بالتأكيد كل المجالات ؟؟؟
وإلى أي حد تعكس هكذا قرارات "فوقية "تطلعات هذه الشعوب؟؟

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

ميل الشعوب لعلاقات منسابة

لا شك أن الشعوب تميل طبيعيا لعلاقات انسيابية تتماشى وانسيابية وحدة حاكتها عوامل الجغرافيا والتاريخ والدين و الثقافة والتجارة والفن و الحب والزواج والمصاهرة والمودة والتعاون والتضامن...طوال قرون متواترة شكلت تلك الطبقات المتراكمة عبر الزمان والمكان من حضارة مغاربية " استدمجها الوجدان الاجتماعي شرقا وغربا ،شمالا وجنوبا...كي تسري في أوصاله مدا من شحنات الانتماء المشترك ...من الوريد إلى الوريد .

محددات الانتماء المشترك :

الانتماء لا يتحدد بتلك الأوراق الثبوتية والمزدانة بطوابع رسمية تجيز لصاحبها الحصول على حقوق محددة وفق قوانين تصيغها هذه السلطة أو تلك .

الانتماء هو أولا ذلك الدفق من المشاعر التي تنبعث مودة عند أي تفاعل مع بين شخصين او جماعتين توحدهما العديد من العناصر .

-الانتماء قد يحدده ذلك الهيجان الجماهيري في باقي الأقطار المجاورة الذي قد تفرزه مباريات تلعب فيها إحد ى فرق بلدان المنطقة مع فرقة غريبة ,

_الانتماء قد يحدده بشكل أكثر عفوية ذلك التفاعل مع هذا الفنان او ذاك او تلك الفرقة الموسيقية أو تلك لأن انفعالات عميقة انبثقت من أدغال القلب فاهتزت أوتاره من فرط التجاوب حماسة و بهجة وفرحا .

_ الانتماء قد يحدده ذلك التضامن التلقائي الذي قد يعبر عن نفسه إثر حدث مؤثر أصاب إنسانا أو منطقة شقيقة .

أشكال متعددة من عناصر الانتماء لا يمكن حصرها تعبر عن تلك الوحدة الموجودة والموءودة بقرارات أقل ما يقال عنها أنها "طائشة ".

نعم ،إنها وحدة تعكسها أوجه التشابه في كل شيء أو بالأحرى في أغلب المكونات الرئيسية لشعوب تتوخى العيش مع بعضها البعض في ود وسلام وتماسك و تعاون .

الأخبار المزيفة تخلق العوائق النفسية :

الكثير من الناس يبني مواقفه تجاه هذا البلد أو ذاك أو تجاه هذا الشعب أو ذاك انطلاقا من الأخبار "الزائفة " التي تخلق مواقف مسبقة يتم السعي لتنميطها، من خلال الإشاعات والأفكار الجاهزة التي تخدم سياقا معينا لا يتجاوب بالضرورة مع "المصلحة العامة "في بعدها الحقيقي بالنسبة لبلدين متجاورين متحابين شعبيا متنافرين سياسيا ,

قبل ان أقرر المشاركة الفعلية في أحد الملتقيات العلمية بإحدى الجامعات "الجزائرية " انهالت علي العديد من التحذيرات المثبطة للعزيمة والتي ترتكز بشكل خاص على "أخبار موجهة "من هنا وهنا ك ، تبالغ في تهويل الشروط الأمنية وما قد يترتب عنها من أخطار محتملة الخ

إلا أن رغبتي في الاكتشاف والمشاركة " جعلتني أتحدى هذه العوائق "النفسية " و أيضا عوائق "المسافة في ظل زمن جد محدود .

وكم كانت مفاجأتي "جميلة " وأنا أعيش تجربة مميزة قد تفوق شحنتها الوجدانية ما سبق أن عشته في تجارب مماثلة ببلدان أخرى .

شساعة المشترك :

لا شيء بتاتا يشعرك أنك خارج بلدك . لم أشعر للحظة واحدة أنني "خارج المغرب" . نفس المقومات ونفس المشاكل حتى و إن اختلفت "التسميات "

نفس السحنات والأمزجة ، نفس التصرفات ونفس القيم التي تنتظم حولها السلوكات الاجتماعية : كرم مادي ومعنوي وحفاوة في الاستقبال والاهتمام قد لا تجد لها مثيلا خارج "الرقعة العربية " .

خصوبة وجدانية تنم عن ذلك الرصيد الاحتياطي من ثروتنا "الإنسانية "

الباذخة في زمن غدا فيه الإنسان الذي يسمى متحضرا "شبيها بآلة تشتغل بشكل تحكمي يسير عن بعد ويعتبر "جفاف المشاعر" خصلة تنبيء عن عقلانيته "المتطرفة " .

ذلك أن الإنسان أكبر من أن يختزل لمجرد "عقل " يخيط الأحداث والشخوص بحيادية مفترضة ...

الإنسان هو أيضا قلب يخفق مشاعر وأحاسيس ...قد تختلف في شحنتها حسب الشروط ، ولعل هذه الشحنات ما يجعل الفن والفنانين الأكثر قربا من أي سياسي حاذق وأكثره قدرة على التأثير .

ولعلنا نحن العرب ، لازلنا نمتلك تلك الخصوبة المتوارثة عبر الأجيال من خلال

قدرتهم الاستثنائية على نظم الشعر بانسيابية مميزة ... لآشعر بدون رصيد مميز من المشاعر .

برودة الطقس ودفء المشاعر :

كان الجو باردا جدا..

وكان الدفء يلف المكان فرحا ومحبة واحتفاء بمناسبة علمية جميلة جمعت الأشقاء من أماكن متعددة كي يفكروا مع بعض ويقتسمون أيضا لحظات جميلة من الود المشترك .

رأيت الفرح في وجوه ذلك الحشد من الشبان والشابات ويؤثتون بحضورهم الوازن مدرج الكلية و يتواصلون مع تجارب أخرى من بلدان شقيقة.

رأيت الحفاوة في وجوه العمال والموظفين والمسؤولين وهم يشتغلون كخلية نحل من اجل إنجاح تظاهرة لها دورها الحاسم في تحريك منطقة نائية يلفها نوع من الركود خصوصا في هذه الفترة الباردة .

وعبر الفرح عن نفسه من خلال السعي في التواصل معنا والتقاط الصور للحفاظ على الذكرى "حية تنبض " رغما عن الزمن .

كما لمست الحفاوة المميزة من خلال درجة الصبر والتفاني في اداء المهام المسندة في أي منطقة يمكن أن تجد زملاء ينتظرونك في المطار لساعات كي يقلك لمكان اللقاء ولا يسأمون من "طول الانتظار الناجم عن تأخر الطائرة حتى وإن كان الوقت ليلا وباردا وممطرا والمعلومات "غير دقيقة " ويتحملون وزر الانتظار بمحبة الأشقاء ؟

في أي منطقة قد يأتي مسؤول لتوديعك ولو في عز الفجر ولا تثبطه عن هذه اللفتة الإنسانية الجميلة تراكم التعب الناجم عن شروط تنظيم الملتقى وتفاصيله الكثيرة ولا قطرات المطر ولا لفحات البرد وعندما يجد السيارة التي ستقلك للمطار قد اقلعت يتبعها بكيلومترات ، فقط ليؤدي واجب التوديع كما تقره الأعراف العربية الأصيلة لضيوفها الأعزاء ؟؟؟؟

قد لا يحدث هذا إلا في منطقة تحافظ بإصرار على "أصالة عاداتها المميزة ".

وأنا أنتظر الطائرة المتأخرة كي تقلنا من مطار الجزائر العاصمة نحو مطار "عنابة " أتت اللحظة بدردشة مع إحدى الجزائريات وهي تودعني ،فوجئت بها تبحث في إحدى حقائبها وناولتني "خميسة ذهب" من حجم صغير كي تبقى ذكرى للقائنا تأثرت بالأمر فبحث أيضا في حقيبتي وسلمتها "هدية رمزية " امتنانا لفعلتها الراقية .

ارتسامات مواطني البلدين :

ونحن في المطار ،التقينا طبيبين مغربيين رجعا أيضا من أحد الملتقيات بالعاصمة فقال لنا احدهما :الجزائريون رائعون...يتاكد لي ذلك مرة إثر أخرى، وأكدنا بدورنا هذه الملاحظة، كما أكد لنا كثير من الجزائريين "روعة المغاربة وطيبتهم " وتجاربهم مع حفاوة الاستقبال المغربية .

وكلما تجاذبنا أطراف الحديث عن العلاقة بين الشعبين ولو بشكل غير مباشر برزت المطالبة بضرورة فتح الحدود وتوطيد جبهات التعاون في أفق الوحدة وخلق قوة بالمنطقة تمكن أهلها من تموقع أكثر وزنا ضمن المنظومة الدولية.

فهل يستجيب حكام المنطقة ويعبرون عن مستوى من النضج يضاهي نضج شعوبهم البعيدة النظر ؟؟؟؟

منبر

عائشة التاج
أستاذة وباحثة
كاتبة وباحثة اجتماعية
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال