فالرجل لم يكن يفارق بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، وأمين عام حزب العدالة والتنمية.
التصقت بباها صفة "نائب بنكيران" طوال ما يقارب أربعين عاما قضاها الرجلان جنبا إلى جنب .. فمنذ أن ترأس بنكيران "الجماعة الإسلامية" بعد الانشقاق عن تنظيم "الشبيبة الإسلامية" مطلع الثمانينات، ومرورا بحركة الإصلاح والتجديد، والتوحيد والإصلاح، وحزب العدالة والتنمية، كان رئيس الحكومة المغربية حاليا، لا يختار نائبا له سوى الراحل .. لدرجة أن بنكيران قال في لقاء حزبي، بحضور باها، إن "منصب الأمين العام لحزبنا يشغله رجلان أنا وعبد الله باها".
وأضاف "زارني وزير الخارجية الهندي مرة بمقر رئاسة الحكومة، فقلت له مازحا، إن هذه المنضدة التي تسع شخصين جاء بها الوزير الأول الأسبق إدريس جطو إلى مكتبه .. ربما كان يعرف أنني سآتي إلى الحكومة أنا وعبد الله بها لذلك جعل المنضدة لشخصين حتى أجلس عليها أنا وباها".
لا يخلو لقاء حزبي أو حتى رسمي من إحالة بنكيران على عبد الله باها، مرة لسؤاله عن شيء أو حادثة، أو للاستنجاد به لتأكيد ما قاله، وكثيرا ما تتردد عبارات "قال باها، فعل باها، كنت أنا وباها، نصحني باها، اسألوا باها، إن لم ترضوا عودوا إلى باها... نبهني باها... نصحني".
وكثيرا ما يصرح بنكيران أن بها بمثابة "الفرامل" الذي يتدخل وقت الحاجة لـ"ضبط" تصريحات وأفعال صديقه.
عبد الله باها يتحدر من أسرة أمازيغية في الجنوب الغربي للمغرب وولد سنة 1954، بجماعة إفران الأطلس الصغير، التابعة لمحافظة كلميم، وبها درس المرحلة الابتدائية، قبل أن يرحل إلى مدينة أكادير لمتابعة الدراسة الثانوية سلك العلوم الرياضية، قبل أن يحط الرحال بالعاصمة المغربية الرباط، حيث درس بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، ليتخرج مهندسا زراعيا سنة 1979.
التقى عبد الله بها، المعروف بصمته الطويل وهدوئه الدائم، والذي نادرا ما تفارق محياه ابتسامة هادئة تميل إلى الخجل، والأميل إلى الكتمان، بنكيران لأول مرة سنة 1976 في أحد مساجد حي العكاري الشعبي وسط العاصمة الرباط، حيث ترعرع هذا الأخير. وكان حينها يتطوع لإلقاء مواعظ على مرتادي المسجد، يومها كان بنكيران يفسر للمصلين الآية القرآنية "مثل الجنة التي وعد المتقون .."، واستمع إليه باها الذي أعجب به كثيرا. وتقدم إليه، وهو الذي كان يومها ينتمي إلى جماعة الدعوة والتلبيغ، وعرفه بنفسه، من يومها توطدت علاقة الرجلين.
بعدها عرض بنكيران وإخوانه في حركة الشبيبة الإسلامية في فرع الرباط على عبد الله باها الانتماء للشبيبة، لكنه قال إنه ينتمي إلى الدعوة والتبليغ، فخيروه بينهم وبين هذه الأخيرة، فاختار الانضمام للحركة التي كانت يومها تعيش "محنة" بعد فرار رئيسها عبد الكريم مطيع للخارج، واعتقال بعض قيادتها، بعد اتهامهم بالضلوع في مقتل القيادي اليساري في حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض والزعيم النقابي عمر بنجلون سنة 1975.
في سنة 1981 تزعم بنكيران، مسيرة نظمتها "الشبيبة الإسلامية"، التي كانت حينها تعارض النظام القائم بالمغرب، وقادها في اتجاه القصر الملكي بمدينة الدار البيضاء، احتجاجا على محاكمة قادة التنظيم، فتم اعتقال رئيس الحكومة المغربية الحالي، لكن رفيقه باها لم يعتقل ساعتها رغم أنه كان معروفا بانتمائه للشبيبة.
وبعد تشاور بنكيران مع باها، وجه رسالة إلى الملك الراحل، الحسن الثاني، يشرح فيها مبادئ وأهداف حركته الجديدة، التي ستنشق عن تنظيم "الشبيبة الإسلامية" الثوري، فيما عرف ببداية "المراجعات" التي قام بها جزء من الحركة الإسلامية في المغرب، ليغادر السجن بعد ثلاثة أشهر من اعتقاله.
وكان باها حاضرا في قلب هذه المراجعات، يومها اعترف إخوان باها وبنكيران بشرعية الملكية في المغرب، وبنبذهم للعنف واختاروا العمل السياسي والدعوي العلني.
ترأس عبد الله باها، الذي اختير نائبا لرئيس الجماعة الإسلامية، تحرير جريدة الجماعة "الإصلاح" منذ 1981، ودأب على نشر مقالات بها بعنوان "سبيل الإصلاح"، يؤصل من خلالها للخط الجديد للحركة القائمة على "أولوية إصلاح المجتمع قبل الدولة" وأن الجماعة "جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين".
لا يكاد يعرف باها عند أعضاء حزب "العدالة والتنمية" وعند من يعرفونه إلا بصفة "الحكيم"، الذي يهرع إليه في الخلافات التنظيمية أو حتى الشخصية والعائلية، بقدرته الكبيرة على الإنصات، وتلمس مواطن الخلاف بـ"تجرد" كبير، كما يحكي مناضلو الحزب، كان باها يفك خلافات حزبه في مناطق كثيرة من المغرب، في أحلك مراحله.
وعند تعيين بنكيران رئيسا للحكومة المغربية في يناير 2011 اقترح باها لمنصب نائب رئيس الحكومة، لكن مقترحه رفض لأن هذا المنصب غير منصوص عليه في الدستور المغربي، ليعين وزير دولة، لكن بمهام "نائب رئيس الحكومة".
في كل المسؤوليات التنظيمية التي مر منها باها، أو المناصب السياسية ظلت صفة الحكيم تلازم باها وظل ساعيا لحل ما استشكل بين أعضاء حزبه وحركته أو حتى بين الفرقاء حلفائه في الحكومة الحالية، حتى وصفه أحد الكتاب الصحفيين المغاربة المعروفين بالرجل الذي "يختلف عنده الناس ولا يختلفون حوله"، و"حيثما كان الخلاف وحيثما احتاجت الحكمة إلى ظلها وناطق باسمها، فتم باها"، يضيف كاتب آخر.
ولقي عبد الله باها مصرعه، مساء الأحد الماضي، في حادثة قطار بالقرب من مدينة بوزنيقة التي تبعد 20 كيلومترًا عن العاصمة الرباط.
وقال سليمان العمراني، النائب الثاني للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن "باها أراد معاينة المكان الذي توفي فيه أحمد الزايدي البرلماني بحزب الاتحاد الاشتراكي، وبعدما خرج من سيارته، لم ينتبه إلى مرور القطار، فصدمه ليرديه قتيلاً".