صناعة الفخار توارثها أبناء المنطقة أبا عن جد كحرفة يتكسبون منها أرزاقهم، ولكنهم أضافوا عليها طابعا خاصا وتميزوا بصباغة الأواني باللون الأخضر، رغم أنها مازالت تمارس بنفس التقنيات القديمة، باستثناء بعض التطورات الطفيفة.
وحيت تطأ أقدامك "تامكروت" لن تخطئ عينك "الورشات" وهي بيوت صغيرة متراصة إلى جنب بعضها، داخل كل منها غرفة بها لولب تصنع فوقه الأواني، بالإضافة إلى غرفة داخلية توضع فيها الأواني حديثة الصنع ريثما تتماسك، ثم يستكمل صنعها لاحقا.
عبد السلام باسو، صانع فخار تقليدي، شرح لمراسل الأناضول مراحل صنع الفخار من البداية وحتى الحصول على تلك الآنية الخضراء.
يقول باسو إن المادة الأولية للفخار بمدينة "تامكروت"، عبارة عن تراب يسمى (تليغت)، يستخرج من عمق ثلاثة إلى أربعة أمتار بضفاف وادي درعة (أكبر نهر يخترق الجنوب المغربي)، ثم يجلب إلى ورشة العمل ويوضع في حفرة ثم يغمر بالمياه.
وبعد مرور 24 ساعة يكون التراب قد تحلل وامتزج بالماء، بحسب باسو، فيستخرج ويوضع على الأرض لبضع ساعات. بعدها يجمع على شكل كومة ويغطى بأغطية كبيرة من البلاستيك حتى يحافظ على لزوجته.
وقد عاين مراسل الأناضول، كيف يقوم أحد مساعدي باسو بإعداد العجين الذي سيحوله الصانع إلى آنية فخار. فخالد لخضر، شاب تجاوز عقده الثاني بسنوات، كشف غطاء بلاستيكيا وأخذ كومة من طين (تليغت)، وضعها على حصير مصنوع من سعف النخيل وشرع في دلكها بيده كما يدلك العجين.
يواصل باسو شرحه للأناضول، وهو يدير لولبا يصنع عليه آنية، قال: "بعد دلك الطين تأتي مرحلة الصنع"، مضيفا أن الأواني بعد صنعها توضع في الظل لمدة 24 ساعة، قبل أن تعود إلى اللولب ويستكمل صنعها وتقطع منها الأطراف الزائدة والشوائب.
بعدما تكون الآنية قد أخذت شكلها النهائي توضع تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أيام قبل أن تصبغ بالأخضر أو الأحمر.
يقول عبد الرحمان الناصري، صانع فخار تقليدي، "نستعمل في الصباغة ثلاثة مواد أولية وهي النحاس ومعدن "الكحل"، وهو معدن تستعمله النساء في التزيين، ثم معدن آخر يسمى في المنطقة بـ " الحجرة الميتة".
تدق هذه المواد الثلاثة كل منها على حدة، بحسب الناصري، ثم تمزج. مزج مادة "الكحل" و"الحجرة الميتة" يعطي اللون الأحمر، أما مزج "الكحل" بالنحاس فيعطي الأواني لونا أخضرا.
توضع مواد الصباغة ممزوجة بالماء في إناء، يقول الناصري، ثم تخضب بها الأواني، لكن لا تأخذ لونها النهائي إلا بعد خروجها من الفرن.
أما الفرن، يقول الناجم لخضر، صانع فخار تقليدي، فإنه عبارة عن بناء من طبقتين. طبقة سفلى تضرم فيها نار وقودها حطب النخيل وبعض الأشواك التي تنبت في الواحة، وطبقة عليا توضع فيها أواني الفخار تصلها السنة اللهب عبر ثقوب. للطبقة السفلى فوهة يدخل عبرها الحطب وللعليا فوهة لإدخال الأواني.
بعد إدخال الأواني، يشرح لخضر، تغلق فوهة الطبقة العليا بالطين وتضرم النار في الطبقة السفلى لمدة ثلاث ساعات، بعدها تغلق فوهتها هي الأخرى، ويترك الفرن مدة أربعا وعشرين ساعة ليبرد، قبل فتحه واستخراج الأواني.
وعرفت "تامكروت" ازدهار تجاريا منذ عهد الدولة السعدية (1554-1659م)، حيث كانت بمثابة محطة استراحة بالنسبة للقوافل القادمة من مراكش نحو منطقة "تومبوكتو" بدولة مالي، ما جعل الشيخ أحمد بناصر يؤسس بها الزاوية الناصرية، التي تشتهر بها "تامكروت"، مثلما اشتهرت بفخارها الأخضر.