وتقول والدة هيثم، إنه "صوت فلسطين الذي تعب على نفسه كثيراً، حتى وصل لما وصل إليه، ورغب أن يصل للعالم العربي كله".
وتعرض هيثم خلايلة (24 عاماً)، ومنال موسى (دير الأسد داخل إسرائيل) (25 عاماً)، المتسابقان المتأهلان إلى المرحلة الثانية من البرنامج، من مناطق "فلسطين 48" (الفلسطينيون الذين يقيمون داخل إسرائيل ويحملون الجنسية الإسرائيلية)، لهجمة شرسة على خلفية تعامل بعض وسائل إعلام عربية معهما باعتبارهما "فنانين إسرائيليين".
وتناقلت وسائل الإعلام هذه، صورة للمتسابقين جمعتهما مع النائب الليكودي، والوزير الإسرائيلي السابق، "أيوب قرا"، تظهرهما شاكرين دعمه، صاحب ذلك ضجة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أغضب كثيراً الفلسطينيين، والفنانين المشاركين في البرنامج.
كل هذه التفاصيل، فتحت ملف "فلسطينيو 48"، والتعامل العربي معهم من جديد في ظل عدم الرغبة في التعامل مع إشكاليات التواصل معهم، رغم مرور أكثر من ستين عاماً على حصارهم الثقافي، والفني داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي حديث لوكالة الأناضول، قالت والدة هيثم إن ابنها، ومنال -المتواجدان حالياً في بيروت- قد "خضعا لابتزاز جهاز الشاباك (الأمن العام الإسرائيلي) بعد عودتهما من بيروت في شهر مايو العام الماضي"، باعتبار لبنان دولة في حالة "عداء" مع إسرائيل ولا يسمح للإسرائيليين بالسفر إليها من دون إذن من السلطات.
وأقرت بأن ابنها ارتكب خطأ لكن "عن غير قصد وعن قلة وعي، وذلك بعد أسبوعين من الملاحقة، والتحقيقات من جهاز الشاباك الذي صادر جواز سفريهما، وطلب منهما اللجوء إلى القرا(الوزير)، للمساعدة وهو ما فعلاه عن جهل ورغبة بالخلاص من الملاحقة بعد طول تهديد ووعيد".
وأضافت خلايله أن ابنها "وطني، يحب التراث الفلسطيني والعربي، وهو دائم التغني به، وأن الصورة التي نشرها النائب القرا، جاءت بناءً على طلبه بعد أن اضطر ابنها إلى اللجوء إليه، لتسوية ملفه مع الداخلية الإسرائيلية، أملاً منه في تحقيق حلمه، والوصول إلى العالم العربي".
وأشارت الوالدة إلى أن القرا هو من "نشر الصورة بعد انطلاق تصفيات البرنامج العربي بهدف الدعاية السياسية له".
لكن الجدل الدائر عربياً عبر وسائل الإعلام، وصفحات التواصل الاجتماعي، يفتح باباً واسعاً لمناقشة إشكالية الفلسطيني الذي يعيش داخل إسرائيل، وتوصيف التعامل معه، فهل هو تطبيع ثقافي وفني أم هو نقيض ذلك؟ وهو جدل دائم وقائم على صورة ذهنية خاطئة حيث يكون التعامل في حالة هؤلاء بصفتهم "غير فلسطينيين" في أبسط تعبير.
وهو الأمر الذي عاني منه مجمل الفنانين والمثقفين في تلك المناطق، حيث لا يفتح لهم المجال العربي ويتم التعامل معهم بكونهم إسرائيليين لكونهم يحملون جواز السفر الإسرائيلي.
وعن ذلك يقول المحلل السياسي، أنطوان شلحت، للأناضول، إن "العالم العربي يعاقبنا على كوننا صمدنا، وبقينا في وطننا ولم نهاجر منه".
وما ضاعف الأمر وعمق من شبهة "التطبيع"، وعمل على تكريس الصورة الذهنية التقليدية المشوهة، الخطأ الذي وقعت به الفضائية المنتجة للبرنامج "إم بي سي" (سعودية خاصة)، عندما نشرت خريطة الزيارات التي قام بها فريق البرنامج من أجل اختيار المواهب، وكانت كلمة "إسرائيل" بديلة عن فلسطين، وهو ما اعتذرت عنه القناة لاحقاً، وعوضته بالتركيز على فلسطين ووطنيتها وعروبتها في الحلقة الأخيرة التي عرضت قبل أيام، وظهر فيها "موسى" و"خلايله".
لكن الجدل استمر، وكان هذه المرة من بوابة الهجوم على المشاركين الفلسطينيين، والتشكيك بفلسطينيتهما وبكونهما "مؤيدان لإسرائيل ومشاركان في برنامج عربي".
ويبلغ عدد العرب في إسرائيل مليون و600 ألف مواطن من إجمالي 8 ملايين عدد سكان البلاد، بحسب جهاز الإحصاء الإسرائيلي.
واعتبر المحلل السياسي شلحت، أن "قضية منال و هيثم تعيد الجدل في وضع إشكالي، لا يلم بتفاصيله إلا المجرب أو الذي يعيش الواقع في فلسطين 48، فالفلسطينيون هناك يعتبرون أنفسهم جزءا حياً، وواعياً ونشيطاً من الشعب العربي، رغم كونهم يحملون المواطنة الإسرائيلية التي يترتب عليها ما يسمى بالحقوق المدنية، وهي حقوق مهمة ولا يمكنهم التخلي عنها كونها تتعلق بتفاصيل الحياة اليومية التي يعيشونها".
وأوضح شلحت أن "الفلسطيني في الداخل لا يرى أي تناقض ما بين حصوله على ترخيص أو تصريح لزيارة بلد عربي، وبين أنهم حريصون على حقوقهم المدنية ومسألة التخلص من الاحتلال".
وأشار إلى أنهم (فلسطينيو 48) في ظل ذلك "يسيرون في حقل ألغام شائك ومليء بالتعقيدات، فالسفر إلى أي بلد عربي يتعامل معها القانون الإسرائيلي على أنها عدوة من دون تصريح، يضع الفلسطيني تحت طائلة القانون الذي يعتبر عنصرياً، وصمم ليعيق تواصل الفلسطيني مع محيطه العربي".
ووفقاً لشلحت فإن "منال وهيثم كانا أمام خيارات ثلاثة، ولكل خيار تبعاته، فإما التوجه للحصول على تصريح، وهو أمر يعتمد على مزاج الداخلية الإسرائيلية، وسياسة المماطلة والتسويف أو اللجوء للوساطة عبر وكلاء وعملاء الاحتلال التي تسهل الحصول على التصريح، أو السفر من دون تنسيق مع سلطات الاحتلال".
ولفت شلحت إلى أنه "في معركة الشعب الفلسطيني في الداخل لا يجوز التعامل مع الوكلاء أو العملاء، مهما كان الغرض، لان ذلك يوفر لهم شرعية مجتمعية وسياسية".
وأشار إلى أنه "كان بالامكان، لو توفر الوعي لهؤلاء الشابين خلق رأي عام لصالحهما عبر كسر إجراءات سلطات الاحتلال، والسفر إلى لبنان للمشاركة بالبرنامج، وإظهار مسألة اعتقالهما في حال عودتهما، كما حصل مع أكثر من إعلامي وكاتب (ماجد كيالي مثال)، لتصبح قضية رأي عام عربي وعالمي هذه المرة".
لكنهما قررا الطريق الأكثر سلامة، ومن هنا يقول شلحت: "على مستوى الوعي السياسي، أستطيع تفسير السلوك الذي قام به الشابان، وهو الأمر الذي لا يمكنني تبريره، فالرغبة بالنجومية والتواصل مع العالم العربي حق نقف معه، لكن اللجوء للنائب الصهيوني الدرزي (القرا) أمر لا يمكن القبول به".
وأضاف أن "المطلوب من العالم العربي، أن يكون حريصاً على التواصل معنا، مثلما نحن حريصون على التواصل معه، وقد حان الوقت لأن يغير العرب نظرتهم لنا، فإن خلق علاقات طبيعية بين أطراف يفترض أن تكون العلاقات بينهم طبيعة ليس تطبيعا".
ورأى أن من "يريد فضح إسرائيل، والوقوف ضد سياساتها العنصرية عليه استثمار فلسطيني الداخل الذين يعتبرون المحك الرئيسي في فضح ديمقراطية إسرائيل، وهو الأمر الذي لا يبدو أن فضائية (إم بي سي) معنية به بقدر توسيع قاعدة جمهورها المشاهد، والمتفاعل مع البرنامج وهو ما يضمن لها أعلى مستويات الربح"، على حد تعبيره.
وبدلاً من أن تقول الفضائية الحقيقة، وتؤطر لفهم حقيقي للفلسطينيين في 48، قالت عبر تصريحات الصحفي، داني صيرفي، المسؤول في قسم العلاقات العامة بالقناة، وأحد المسؤولين في طاقم عمل برنامج "أراب أيدول 3"، إن "هيثم ومنال يحملان جوازات سفر فلسطينية"، ولم تصدر بياناً صحفياً، توضح فيه حقيقة ما جرى لمن وقع عليهم الاختيار من لجنة الحكام في البرنامج.
فهما إضافة لكونهما فلسطينيين يحملان جواز السفر الإسرائيلي، وسافرا إلى لبنان بجواز سفر فلسطيني، منحتهما إياه السلطة الفلسطينية لتسهيل مهمة سفرهما، عانيا كثيراً بفعل سيرهما خلف حلمهما، وهو ما سيكلفهما ثمناً غالياً.
فهل ستكون حكاية منال وهيثم، بصفتهما مشاركين في أكثر برنامج ترفيهي غنائي عربي، ويتابعه الملايين، وسيلة لفهم حقيقي لواقع الفلسطينيين في الداخل؟، أم أنها ستكرس تلك الصورة الذهنية التي ارتبطت بفلسطينيي 48 بصفتهم "عملاء ومرتبطين بالاحتلال، وسيتم في ضوء ذلك تنفيذ إعدام إعلامي وفني لهما؟".
والمطلوب بعد هذا الجدل، بحسب نقاد في الفن، انعطافة في وعي العالم العربي في تعامله مع الفلسطينيين ووضعهم الخاص بشرط أن لا يكون ذلك وسيلة للتطبيع الثقافي الذي يريده البعض، وهم لا يريدونه بكل تأكيد.
وكان محمد عساف من قطاع غزة، قد فاز العام الماضي، بلقب "محبوب العرب"، في البرنامج الغنائي نفسه.