انطلقت هذه التظاهرة السّلمية على السّاعة العاشرة صباحا من قرب إعدادية إميضر في اتّجاه «توريرت نوسبضان» بقدم جبل «ألبّان» المعتصم، وكما تتبع الموقع، عرفت المسيرة حضور العديد من المناضلين القادمين من مناطق أخرى، من بينهم إعلاميين، مساندة وتضامنا مع المحتجّين.
وقد ردد المتظاهرون مجموعة من الشّعارات التي عبّروا من خلالها عن تشبثهم بحقوقهم وتنديدهم بالمقاربة الأمنية التي تنهجها الشّركة المعدنية لإميضر و سياسة الصمت والتجاهل من طرف السلطات، معلنين أيضا عن عزمهم على مواصلة النّضال السّلمي حتّى نزع حقوقهم.
فلم تمنع حرارة الشّمس المرتفعة الصغار والكبار من الرجال والنساء من المشاركة، ليقطعوا أزيد من ستّة (6) كيلومترات ذهابا، ثمّ إيابا بعد حلقية نقاش ب»تاوريرت نوسبضان».
الخطاب الملكي: أين الثروة المغربية؟
تتميز مسيرة اليوم باميضر بمصادفتها للخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، حين طرح جملة تساؤلات حول الثروة الوطنية حيث أشار إلى أنه سبق للبنك الدولي أن أنجز في 2005 و2010 دراستين لقياس الثروة الشاملة لحوالي 120 دولة من بينها المغرب، مبرزا أنه تساءل باستغراب مع المغاربة بعد الاطلاع على أرقام هاتين الدراستين «أين هي هذه الثروة، وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط».
وجدير بالذكر أنه يتم تحديد الثروة الوطنية باعتبارها القيمة الحالية للاستهلاك في المستقبل لجيل واحد. ويقدر للرأسمال اللامادي عن طريق الخصم من الثروة الوطنية، والرأسمال المنتج، والرأسمال الطبيعي، وإضافة إلى كل ذلك الأصول المالية الصافية.
إذ يشمل الرأسمال اللامادي جميع الموجودات غير الملموسة والتي يصعب بالتالي قياسها، مثل الرأسمال البشري والرأسمال الاجتماعي ونوعية المؤسسات. ويمثل الرأسمال المنتج قيمة مخزون الرأسمال المادي، مثل الآلات والمعدات والمباني والأراضي في المناطق الحضرية. أما بالنسبة للرأسمال الطبيعي، فيشمل موارد الطاقة والموارد المعدنية وموارد الغابات والأراضي الزراعية والمراعي والمناطق المحمية.
ووفقا لتقديرات البنك الدولي، ارتفعت الثروة الإجمالية للمغرب بالدولار الثابت (2005) ما يقرب من 75 % بين عامي 2000 و2013، بمتوسط معدل نمو سنوي قدره 4.4 %. ونما رأس المال اللامادي للمغرب بما يقرب من 82 % بين عامي 2000 و2013، أي بزيادة سنوية قدرها 4.7 %سنويا. حصتها في الثروة الوطنية قد زاد 72.8 % في 2000 حتى 75.7 % في العام 2013.
وتشير الدراسة ذاتها إلى أن نصيب الفرد من الثروة في المغرب كان بالفعل 22.965 دولار في عام 2000، أفضل بكثير من الجزائر مع 18.491 دولارا أميركيا للفرد الواحد، على الرغم من نفطها.
وقد قال العاهل المغربي في خطاب عيد العرش «.. بعد الاطلاع على الأرقام والإحصائيات، التي تتضمنها هاتان الدراستان، والتي تبرز تطور ثروة المغرب، أتساءل باستغراب مع المغاربة: أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟»
هذا الخطاب، وهذه الفقرة بالذات كان لها الصدى على جبل اميضر، وكان الرد من المعتصمين سريعا وتلقائيا: «نحن خرجنا منذ 1099 يوما، بل قبلها منذ سنة 1986، خرج آباؤنا ليطرحوا نفس السؤال، أين هي ثروة المغرب؟ أين هي ثروة اميضر؟»
ولنفهم الآمر، خاصة مع انتشار مرض «الزهايمر الجماعي» مرض فقدان الذاكرة الجماعي» لا بد من الرجوع إلى بعض المعطيات التاريخية لصمود معتصم «ألبان»:
حتى لا ننسى:
للمعتصم ذاكرة، وللمطالب تاريخ، والبداية لم تكن في غشت الماضي، بقدر ما كانت في نهاية العقد السادس من القرن الماضي، حينما بدأ استغلال المنجم، دون أن تصل ثمراته إلى موائد الفقراء هناك، فكان على أبناء القرية التي كانت حينها صغيرة .. فقيرة .. بئيسة أكثر مما هي عليه اليوم، أن ينتظروا منتصف الثمانينيات ليغضبوا أكثر في أول حركة احتجاجية سموها بالانتفاضة الأولى، لعلهم يحصلون على ما يقيهم شر الحياة القاسية، لكن دون جدوى، ولذلك انفجرت القرية في أكثر من مناسبة، في سنتي 2004 و2010، وكأنه القدر كُتب على القرية أن لا يفارقها الغضب والاحتجاج بين الفينة والأخرى، وهو القدر نفسه الذي هز هدوءها الذي يسبق العاصفة في نهاية السنة الماضية، منذ غشت 2011 إلى اليوم، ما تزال إميضر في حالة احتجاج، ليس بسبب رغبة ذاتية من طرف سكانها، ولكن بسبب كثرة المشاكل المتراكمة منذ زمن، وخصوصا حينما تزايد اليوم عدد عاطليها بعد أن رفضت الشركة المنجمية تشغيل طلبة الجماعة بشكل موسمي خلال فترة الصيف، كما تنص على ذلك الاتفاقية المعمول بها منذ سنوات.
الحياة في إميضر صعبة، وحكاية هذا الألم بدأ منذ نهاية العقد السادس من القرن الماضي، لكن ما حدث في مارس من سنة 1986 كان أقوى، حينما أقدمت الشركة إياها على محاولة حفر أحد الآبار لاستغلال المياه الصناعية والمياه الصالحة للشرب، وهو البئر الذي لا يبعد عن الضيعات الفلاحية للساكنة سوى بأمتار معدودة، علما أن عمليات الحفر، والعهدة على بعض سكان القرية، تمت بدون سند قانوني، ولذلك خرجوا في مسيرات احتجاجية لثلاثة أيام، لكن أشغال الحفر لم تتوقف واستمرت تحت حماية العشرات من قوات الأمن، قبل أن ينفجر الوضع أكثر بعد اعتقال 6 من نشطاء إمضير، ومن ساحة الاحتجاج إلى السجن مباشرة لمدة شهر كامل دون أن يحالوا على ردهات المحاكم، و»يستمر استغلال مياه البئر إلى يومنا هذا بدون أي سند قانوني، أو أي تعويض يذكر للفلاحين الذين اضطروا إلى مغادرة ضيعاتهم الفلاحية بسبب جفاف آبار الري الفلاحي نتيجة استنزاف الفرشة المائية من طرف الشركة»، يقول أحد السكان المتضررين. بعد 10 عشر سنوات عن مارس 1986، سيعود شبح الاحتجاجات إلى القرية، وستعود تفاصيل حياة الاعتصام من جديد، وسيصبح ليوم 25 يناير 1996 معنى في حياتهم، بعد أن تطورت الأوضاع وأصبحت القرية تغلي على صفيح ساخن، حينما تم تفعيل بروتوكول يعتبرونه هكذا «غير ديمقراطي وتهميشي». ما زلنا في بدايات سنة 1996، وما تزال أجواء القرية والمنجم فائرة، والاعتصام الذي تشكل في نهاية يناير ما يزال قائما، قبل أن تكون نهايته مأساوية، بعد أن تدخلت القوات العمومية لفك الاعتصام الذي دام حوالي 45 يوما، وبلغ الأمر حد اعتقال 21 من أبناء إميضر، من بينهم امرأتين، وجميعهم أحيلوا على السجن، والتهم الثقيلة ترافقهم إلى الزنازن الباردة، وفي مقدمتها التمرد، وتكوين تجمع ثوري، والعصيان المدني، والتحريض عليه، والاعتداء على القوات العمومية، وتخريب أملاك خاصة، ولذلك كان لا بد أن يكون هناك ضحايا، فكان مصطفى أوشطوبان ولحسن أوسبضان الذي يعتبرونه شهيد القضية رمزا يغذي الذاكرة الجماعية لأهالي إميضر.
سنة 2013 و2014 لم تكونا مختلفتين عما سبق بل حملت أيضا أخبار الاعتقال والتهديد، فمنذ شهرين تقريبا تم تأكيد الحكم الجنائي ضد ثلاث شباب من المعتصمين بثلاث سنوات سجنا و 60 ألف درهم غرامة لكل واحد منهم».
حيث وجهت لكل من عمر موجان (24 عاماً) وابراهيم الحمداوي (24 عاماً) وعبد الصمد مادري (من مواليد 22 عاماً) تهمة «عرقلة حرية العمل وسير شركة معادن اميضر والهجوم على منجم اميضر وسرقة الفضة وترويجها، وعرقلة مشاريع تنموية في المنطقة».
أين هي الثروة؟ هذا ما يريد المعتصمون في «ألبان» معرفته.
تستغل «شركة معادن اميضر» وهي فرع لمجموعة المناجم التابعة لشركة قابضة تابعة «للهولدينغ الملكي» في المغرب، هذا المنجم منذ 1969 وهو ينتج سنوياً اكثر من 240 طناً من الفضة إذ يعتبر أكبر مناجم الفضة في أفريقيا.
وبلغ رقم معاملات الشركة في 2010 ما قدره 740 مليون درهما، وتشير وثيقة داخلية إلى أن منجم اميضر يجعل من المغرب أول منتج للفضة في افريقيا.
يعود تاريخ اكتشاف منجم الفضة بهذه المنطقة إلى سنة 1969، وفي سنة 1988 قامت الدولة بتفويت استغلال المنجم لإحدى الشركات المتخصصة، هذه الشركة حسب إفادات سكانة المنطقة استنزفت الثروة التي يحتضنها مجال إميضر بدءا بالثروة المعدنية الباطنية (توسيع المجال واستغلال بشكل أكبر) وصولا إلى إستنزاف الثروة المائية مما يفضي إلى استنزاف الثروة الفلاحية والنباتية.
يقول أحد الشباب المعتصمين لموقع دادس أنفو أنا المعركة أساسا ليست حول «الثروة المعدنية» بل حول «الثروة المائية» بالدرجة الأولى. ويقول: «هم يستنزفون الماء والتراب والحجر …لم نعد نطالب بحقنا في الفضة أو العمل في المنجم بل نطالب بعدم استنزاف الفرشة المائية وعدم تلويث التربة والهواء» ويسترسل ساخرا: «لم نعد نريد التنمية… نريد فقط أن يرفعوا عنا الضرر البيئي الذي تتسبب في هذه الشركة». هذا الكلام لم يأتي من فراغ بل من تجربة معيش لكن أيضا بناءا على على نتائج خبرة أنجزت بتاريخ 29 غشت 2005، إذ قام مكتب الدراسات «إنوڤار» الذي سبق أن أنجز دراسة التأثير لفائدة الشركة المنجمية شهر يونيو 2004، بقياس الصبيب بالخطارات ومقارنته بالنتائج المسجلة أثناء الدراسة السالفة الذكر. وقد خلصت هذه المقارنة إلى تسجيل انخفاضات قوية بعد أقل من سنة على بدء استغلال ثقب «تيديسي»، خاصة على مستوى خطارة «تاغيا» بنسبة 61 في المائة وخطارة «توجديدت» بنسبة 58 في المائة. بينما سجل بئر «أنو نيمكساون» انخفاضا لمستوى استقرار المياه بلغ 1.25 مترا». وفي قراءة لنتائج حملة القياسات التي قام بها مكتب الدراسات، أكد مسؤولوه أن السبب وراء الانخفاضات المسجلة «قد يعزى بالدرجة الأولى إلى تأثير استغلال الثقب من طرف الشركة المنجمية وليس إلى الجفاف، لأنه حسب شهادات السكان، فالخطارات لا تتأثر بالجفاف سوى بجزء ضئيل»
لكن إضافة إلى مشكل الماء هناك مشكل التلوث حيث يقول المعتصمون أن المنطقة أصبحت ملوثة كلها بمواد سامة ومسرطنة هذا وسط تكتم إعلامي مفضوح كما يقول لنا أحد المعتصمين. وقد خلص مؤخرا تحقيق صحفي لجريدة «المساء» إلى أنه على العموم هناك «وجود تركيز عال لبعض المعادن السامة في العينات السائلة (التي أخذت من عين المكان )، تفوق المعدلات التي تحددها المنظمات العالمية لمياه الشرب والسقي، وهذا من شأنه أن يؤدي- حسب الدراسات والبحوث المتخصصة- إلى الإصابة بعدد من الأمراض، وهي الأعراض التي تختلف باختلاف نوعية المعادن التي يتم التعرض لها، واختلاف تركيزها ومدة التعرض لها. على أن الأمر يزداد خطورة في حال تعرض التربة أيضا لمستويات عالية من تركيز هذه المعادن، ومعروف أن التربة تمتص وتخزن كميات أعلى من هذه السموم، سواء تلك التي تأتي عن طريق السقي أو عن طريق الغبار الذي يتساقط عليها، ما يقود في المحصلة إلى تلويث المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة، مع تسجيل اختلافات في درجة تأثر كل صنف من هذه الزراعات مع هذه المعادن، تبعا لمدة التعرض لها والكميات التي تمتصها». كل هذه الشكوك والمطالب لم تحرك الجهات المسؤولة ساكنا لإيجاد الحلول بل تكتفي بالنفي والطمس الحقائق على حد تعبر أحد المحتجين.
منذ فاتح غشت 2011 والمئات من النساء والشباب والأطفال والشيوخ يخوضون اعتصاما مفتوحا فوق جبل «البّان» دفاعا عن «الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المهضومة للساكنة و المسطرة في الملف الحقوقي المرفوع بالأساس إلى إدارة شركة معادن إميضر المستغلة لمنجم إميضر الذي يتوسط أراضي جماعة إميضر وضدا للسياسة التهميش والاقصاء الممنهجين واعتماد الحلول القمعية والسجنية بدل الحوارات الجادة المبنية على المسؤولية والجدية لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف وينهي مسيرة سنوات من اللامبالاة واللامسؤولية تجاه ذوي الحقوق من حقوقهم فوق أراضيهم إضافة إلى استنزاف الثروات الطبيعية ( الماء، المعادن، الأراضي …)» حسب ما يقول مناضلو حركة على درب 96 .
إلتقيناهم وجالسناهم، فوجدنا نفس الإصرار نفس الإيمان ونفس الأمل، سألناهم ما سر صمودكم كل هذه المدة فكان الجواب مباشرا ودون تنميقات لغوية: «الإيمان بالقضية وبارتباطنا بالتراب»
«تعالى إلى جبل اميضر، وسندلك على مصير الثروة» رسالة واضحة من الإميضرين إلى العاهل المغربي ليقف بنفسه على معانات مواطنين يعيشون الحرمان فوق جبل من فضة. حسب تصريحات مجموعة من المعتصمين لموقع دادس أنفو، وحسب مداخلاتهم في الساحة العمومية للنقاش «أكراو» يصرون على عدالة قضيتهم ويصرون على سلميتها، ويؤكدون أنهم فقدوا الثقة مطلقا في السلطات المحلية لأنها لم تلتزم الحياد وفي المجالس المنتخبة لأنها لا تمثلهم حسب قولهم، وطالبوا بالتدخل من رئيس الدولة بشكل مباشر، وقد قالت إحدى المعتصمات «على صاحب الجلالة أن يأتي ليرى حالنا، وإن وجد أننا لا نملك حقا في هذا البلد فليخبرنا حينها..ليثهم قالوا لنا أننا لا نملك حقا في هذا الوطن».
وقد كانت أغلب نقاشات «أكراو» كما تابعنا اليوم تقيمية لثلاث سنوات مضت من المعتصم، وأكد جل المتدخلين على أن السنة الرابعة التي يدشنونها اليوم ستحمل مفاجأت واستراتيجيات جديدة في النضال على درب حركة 96 تحت شعار «اليأس ينحني أمام الصبر والمقاومة ضرورة حتمية».