"هذا أول مقهى، فتح أبوابه بالقصبة (حي بشمال المدينة العتيقة لطنجة) حيث يعود إلى سنة 1942"، يقول عبد الغني، قبل أن يكشف عن طبيعة الزبائن الأوائل من الأجانب الذين جعلوا من المكان قبلتهم المفضلة داخل أسوار قصبة طنجة (أقصى شمال غربي المغرب)، الملقبة بعروس الشمال.
آخر هؤلاء، الذين يحفظ عبد الغني أسماءهم وصفاتهم عن ظهر قلب، هو ألبير الثاني، أمير موناكو الحالي (بدأ حكمه في 6 أبريل/ نيسان 2005)، الذي زار المقهى، عند تجوله بدروب المدينة العتيقة لطنجة.
"كان المقهى مقصدا لرواد حركة الهيبز الأمريكية، الذين يفضلون أن يعيشوا الحياة البسيطة، رغم أن العديد منهم كانوا من الأغنياء، ومنهم أساتذة جامعات"، ليتابع عبد الغني قائلا "أعتقد أن هؤلاء هم من يحكمون الولايات المتحدة في يومنا هذا.. وهم دائما يبعثون أصدقاءهم لزيارة المقهى".
والهيبز ظاهرة اجتماعية كانت بالأصل حركة شبابية نشأت في الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تنتشر في دول أوربا الغربية. وتعتبر هذه الحركة مناهضة للرأسمالية، حيث ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة كظاهرة احتجاج وتمرد على قيادة الكبار ومظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك.
ويصر عبد الغني على إعداد الشاي والقهوة بنفسه، وبين موائد وكراسي بسيطة، يحمل بين يديه كؤوس المشروبات التي يطلبها الزبائن، المغاربة منهم والأجانب، ليقدمها إليهم، ونظراته تكشف عن ثقته بنفسه، واعتزازه بمهارته في إعداد الشاي المنعنع (المضاف إليه النعناع)، بنكهات الأعشاب والليمون.
وفي أقل من ستين مترا، يتوزع المقهى على غرفة داخلية، تحتفظ بفراشها المغربي التقليدي، الذي كان يفضله روادها الأمريكيون، وعلى بهو يتأثث حاليا بموائد من حديد، وشرفة تطل على خليج طنجة، ومنزل الثرية الأمريكية باربارا هاتن الشهير، ومباني المدينة العتيقة، ويفصلها عن البهو حائط صغير وضع عليه عبد الغني صور المشاهير الذين زاروا المقهى من عالم الفن والسياسة.
"زارتنا بالمقهى هنا الملكة سيلفيا، زوجة ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف (ملك السويد منذ 15 سبتمبر/ أيلول 1973)"، متابعا "أتذكر أنه في سنة 2007 شرفنا كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بزيارته.. وفي سنة 1966 حل بالمقهى كيت ريتشاردز بصحبة باقي أعضاء فرقة الرولينج ستونز (فرقة روك إنجليزية تأسست سنة 1962، وبلغت أعلى مستوى في شهرتها سنة 1965) وعزفوا بالمقهى أشهر أغانيهم.." يروي عبد الغني، وهو يشير بيده إلى صور هؤلاء المشاهير.
"العديد من الشخصيات المعروفة، التي كانت تحضر الحفلات، التي تنظمها باربارا هاتن بمنزلها، كانوا يزورن المقهى، قبل أن يتوجهوا إلى منزلها المجاور، ومنهم من كان يدخن الحشيش (نوع من المخدرات) ومنهم من يكتفي بشرب الشاي المغربي.."، يتذكر عبد الغني.
ويصعب الحديث عن مقهى بابا دون ذكر منزل باربارا هاتن، الممثلة والثرية الأمريكية، التي اختارت الاستقرار لسنوات طويلة بمدينة طنجة، قبل أن تتوفى سنة 1979، وهو منزل جميل، كتبت على مدخله باربارا عبارة "يوجد فوق هذه الأرض جنة.. هذه الجنة ها هنا.. ها هنا".