وفي حديث لوكالة الأناضول في أحد الأيام الباردة، قال "في الصباح أطوف في الشوارع، وأطلب المساعدات".
وأضاف "بايا" الذي لا يرتدي سوى قميصا وسروالا ممزقا: "ليس لدي مكان لأسميه بيتي، ولا طعام، ولا ملابس".
بايا هو واحد من بين أكثر من 40 متسولا في الشوارع الذين يعيشون في مأوى انتظار المستشفى المهجور، ويعيشون على مساعدات المارة والمسلمين الذين يؤدون الصلاة في مسجد قريب من المستشفى الحكومي.
"نتلقى الكثير من المساعدات من إخواننا المسلمين. حيث يعطوننا الكثير من المواد الغذائية والملابس"، تابع "بايا"، قبل أن يركض باتجاه سيارة مارة لطلب بعض الفكة (عملات صغير).
"بايا"، الذي يبدو أنه في منتصف العشرينيات، توفيت والدته بمرض الإيدز (نقص المناعة المكتسبة) حين كان في التاسعة، مضى قائلا: "قررت المجيء إلى بلانتير والبحث عن وظيفة، ولكني لم أعثر على أي وظيفة".
وتابع مبتسما: "وهكذا، انضممت إلى أصدقائي (الشحاذين) الذين وفروا لي مكانا للإقامة بمأوى انتظار المستشفى".
وزاد بالقول: "عندما نعجز عن الحصول على شيء من الشوارع، نأكل بقايا الطعام الذي تعده المستشفى للمرضى، أو الذي تلقيه في القمامة".
ويشهد مالاوي أحد أعلى معدلات الإصابة بالإيدز في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
ووفقا للبنك الدولي، مرض الإيدز هو أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بين الملاويين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عاما.
بينما في بلانتير، يمكن للأشخاص مثل "بايا" التسول من الناس الذين يعملون في المصانع والهيئات الحكومية والمستشفيات وغيرها من المؤسسات، في القرى النائية بمدينة تشيلادزولو التي تبعد حوالي 20 كلم عن بلانتير، ولكن الأشخاص المصابين ليس لديهم خيار سوى المعاناة في صمت.
ولهذا السبب اتفق مسلمون محليون لمساعدة الفقراء بالطعام والبطانيات (الأغطية الثقيلة) خلال شهر رمضان، الذي دخل أسبوعه الأخير.
وبدوره قال إنرست بوانالي، وهو زعيم مجتمع محلي في المنطقة، إن الفقراء يحصلون على السكر، والملح، ودقيق الذرة والملابس.
وأضاف في حديث لوكالة الأناضول: "كما تعلمون نحن في فصل الشتاء، ومناخ ملاوي شديد البرودة في الصباح والليل".
وتابع بوانالي الذي يتبرع فريقه بالأموال من جيوبهم الخاصة: "وبالإضافة إلى المواد الغذائية، فقد جهزنا حوالي 100 بطانية، لإعطائها إلى المسنين حتى لا نسجل أي حالة وفاة جراء البرد".
ومضى قائلا: "استخدمنا مواردنا الخاصة، ولم نحصل على الأموال من أي مكان، سوى مجتمعنا".
وأوضح "بوانالي"، أن أكثر المجموعات ضعفا في مالاوي، هم كبار السن، والمصابين بمرض الإيدز، وهذه هي الفئات التي نستهدفها، وسنستمر في استهدافها".
وبمعزل عن المبادرات المجتمعية، خلال شهر رمضان الجاري، فقد وحدت المنظمات الإسلامية الرئيسية في مالاوي جهودها من أجل تلبية احتياجات ضحايا الإيدز، وفقا لألطاف غاني، رئيس الرابطة العالمية لأصدقاء أفريقيا (وفا).
وفي حديث لوكالة الأناضول، قال "غاني": "هذا الأمر لم نعطه الكثير من الاهتمام، لكننا نعتقد أن ضحايا فيروس نقص المناعة البشرية يستحقون اهتمامنا".
وأعرب عن أسفه قائلا: "من المؤسف أن مرضى الإيدز والأرامل والأيتام تشوه سمعتهم، ويجري التمييز ضدهم إلى حد حرمانهم من الغذاء".
ولفت الزعيم المسلم إلى أن الإسلام يعلم المسلمين أن يكونوا رحماء في جميع الظروف، وأضاف: "نتعلم أن نكون رحماء كمسلمين كما كان نبينا".
وأردف: "يجب أن نكون أكثر رحمة خلال هذا الشهر الفضيل وذلك من خلال توفير الغذاء والحب للأشخاص المصابين أو المتأثرين بهذا المرض القاتل".
وتشير الأرقام الحكومية إلى أن المسلمين يشكلون 12% من بين سكان مالاوي البالغ عددهم 14 مليون نسمة، في حين أن جمعية مسلمي مالاوي تقدر عددهم بنحو 36%، فيما يمثل الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية في مالاوي.
ولا توجد إحصاءات واضحة عن معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز بين المسلمين في ملاوي، ولكن يقدر انتشار هذا الوباء بنحو 15% من مجموع السكان.
أما، تويا عيسى، (64 عاما)، وهو أحد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) فقال إن "المسلمين على قدم المساواة بشأن خطر التعرض للإصابة، لكنهم يؤثرون أن يبقوا صامتين لأن هذا المرض يرتبط بالأفعال المحرمة، التي يدينها الإسلام بشدة".
وأضاف في حديث لوكالة الأناضول: "ينتشر هذا المرض من خلال بعض السلوكيات غير الأخلاقية مثل الانغماس في أنشطة جنسية غير أخلاقية، وتعاطي المخدرات، وشرب المسكرات (الخمور) التي تعتبر جميعا حرام".
وتابع عيسى: "هذا جعل معظم الناس يتكتمون بشأن الأمر، ولكن هذا لن يساعد على إنهاء هذه المسألة".
وأضاف أن المسلمين يجب أن يتصالحوا مع الواقع المؤلم بشأن فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، ويعرفوا العالم بالتعاليم الإسلامية كرد فعل لهذا المرض.
في شهر رمضان، تعهدت "وفا" والوكالات الأخرى، مثل "هبة المانحين" (ملاوي)، بالتبرع بالمواد الغذائية المتنوعة للمساعدة في توفير الإفطار لمرضى فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وأرامل، وأيتام المتوفين بمرض الإيدز.
وأعرب "شايبو مكينا"، وهو أحد المصابين عن أسفه لعدم وجود مراكز رعاية خاصة لتلبية احتياجات المرضى المسلمين وأطفالهم.
وقال في حديث لوكالة الأناضول: "أنا أخشى، كسائر المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، من أن أطفالنا قد لا يبقون على هويتهم الإسلامية بعد وفاتنا، لأنهم قد يذهبون لمراكز رعاية غير إسلامية، تفعل كل شيء ممكن لجذب انتباههم من خلال برامج التغذية".
وأضاف: "أناشد المنظمات الإسلامية التي تساعدنا بالغذاء، أن تنظر أيضا في إنشاء مراكز رعاية لأطفالنا ليعرفوا تعاليم الإسلام أثناء رعايتهم".
هناك حوالي 70 ألف طفل دون سن الخامسة عشر عاما مصابين بالإيدز في مالاوي، وفقا لوزارة الصحة.
وتشير التقديرات إلى أنه ما يقرب من 80 ألف شخص يموتون بالإيدز، فيما يصاب 110 آلاف بالعدوى، الكثير منهم من الشباب.
من جانبه، قال الشيخ محمد عثمان، السكرتير الإعلامي لمجلس العلماء (مجلس علماء الإسلام) في مالاوي، إنهم أطلقوا حملة تهدف إلى توعية العامة بشأن مخاطر التمييز ضد الأشخاص المصابين والمتضررين.
وأضاف: "هؤلاء الناس بحاجة إلى مساعدتهم بحيث يتصالحون مع واقع فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، بينما في الوقت نفسه يجري تشجيع لطلب رحمة الله ومغفرته".
وتابع الشيخ عثمان: "الإسلام لا يشجع أي موقف سلبي تجاه فيروس نقص المناعة البشرية".
ومضى قائلا: "الله يترك دائما بابا مفتوحا للتوبة، وعلينا أن نساعد في إضافة قيمة لحياتهم من خلال تشجيعهم على الانخراط في العبادات في شهر رمضان من خلال مشاركتهم القليل الذي نملكه".
وبالنظر إلى العواقب الخطيرة التي قد تنجم من جراء تراخي المجتمع المسلم في اتخاذ إجراءات ضد مرض فيروس الإيدز، فقد أعلنت معظم المنظمات ما وصفوه بـ"الجهاد" ضد هذا الوباء.
وأطلقت العديد من المنظمات الإسلامية مبادرات لتوعية الأسر حول فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز من خلال الأئمة المحليين، ومعلمي المدارس الدينية في كل من المناطق الريفية والحضرية.
وأنشأت المؤسسات الإسلامية مثل "صندوق بلال الائتماني للخدمات الاجتماعية" جنوبي مالاوي، و"التنمية الاجتماعية الإسلامية" وسط وشمالمالاوي عيادات وعيادات متنقلة لمساعدة الناس، ومن بينهم المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وتلقي الدواء مجانا.
وأشار عثمان إلى أن "هناك خططا قيد الإعداد لهذه المؤسسات الصحية، لبدء توزيع العلاج المضاد للفيروسات الذي تمس الحاجة إليها في المجمعات الطبية لدعم جهود الحكومة".
ولفت إلى أن الرابطة الإسلامية تتلقى منحا من الحكومة من خلال اللجنة الوطنية لمكافحة الإيدز لتسهيل نشر برامج التوعية بين المسلمين في جميع أنحاء البلاد.