وهنا، الأعداد مثيرة للدهشة: العدد الإجمالي للمقاتلين المغاربة في الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يصل إلى 1122 من الذين توجهوا، أساساً، عبر تركيا إلى سورية والعراق، فيما يبلغ العدد الكلي للمغاربة، حاملي الجنسيات الأخرى، الأوروبية خصوصاً، بين 1500 و2000. ولقي أكثر من 200 مغربي في "داعش" حتفهم، أقدم عشرون منهم، منذ إعلان "الدولة الإسلامية" عن نفسها، على عمليات انتحارية.
يوازي هذا الوجود الكمي حضور نوعي لافت، فالمغاربة ممثلون داخل قيادات هذا الكيان الملغز، في قائمة طويلة من "أمراء التنظيم"، تضم "أمير عسكري"، "قاضي شرعي"، "أمير على اللجنة المالية"، "أمير منطقة جبل التركمان"، و"أمير الحدود الترابية".
قبل ذلك بأيام، أعلنت الحكومة المغربية، بناء على معلومات استخباراتية، وجود تهديد إرهابي جدي موجه ضد المملكة، انطلاقاً من أن مقاتلين مغاربة في التنظيم المذكور لا يخفون نواياهم في تنفيذ مخطط إرهابي يستهدف المغرب، وهم الذين راكموا تجربة عسكرية حقيقية، خصوصاً أنّ من المحتمل لجوءهم للاستعانة بخدمات مجموعات إرهابية، تنشط في دول شمال أفريقيا، أو متطرفين مغاربة أعلنوا ولاءهم لداعش.
المغاربة الدواعش امتداد رمزي وسياسي، على الرغم من الاختلاف البيّن في السياقات، مع من كانت الصحافة المغربية، في غضون عام 2006، قد دأبت على تسميتهم "المغاربة العراقيون"، عندما كثر الحديث عن الشباب المغاربة الذين تمكنوا من الوصول إلى الأراضي العراقية، للانضمام إلى التنظيمات الجهادية، متعددة الجنسيات، في حربها "المقدسة" ضد الاحتلال الأميركي.
على أنه من حيث حجم الظاهرة، فإن المقارنة التي تبدو غير قابلة للالتفاف تتعلق باستحضار تجربة "المغاربة الأفغان" عنواناً لمرحلةٍ بكل تداعياتها السياسية والثقافية، استطاعت أن ترسخ، لفترة معينة داخل المخيال الجمعي لأجيال من الشباب، صورة النموذج الأفغاني، رمزاً حركياً للإسلام الأصولي العابر للقارات، والمتوحد حول أرضية هوياته، بحمولة جهادية أممية.
استدعاء المقارنات السهلة لا يجب أن يحجب عناصر الاختلاف الجوهرية، ليس أقلها العزلة السياسية التي باتت تسيج هذه المغامرة الرعناء للمغاربة الدواعش، فممثلو طيف الإسلام السياسي المغربي، بكل حساسياته، يجمعون على استهجان مشروع "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، فجماعة العدل والإحسان اعتبرت الأمر خطوةً مليئة بالتهور وقلة الفهم، وهي، بذلك، بعيدة عن روح الخلافة الإسلامية، وعن واقعها وحقيقتها. وبكلمات أقوى، سيصف الفقيه المقاصدي، أحمد الريسوني، وهو أحد المرجعيات الكبرى لحركة التوحيد والإصلاح، الإقدام على إعلان الخلافة خطوة مجنونة، ستكون وبالاً على الشعبين العراقي والسوري، وثمة مواقف مشابهة، عبرت عنها وجوه في التيار السلفي، حذروا الشباب المغربي من الالتحاق للقتال، تحت الأعلام السوداء لداعش.
على أن هذه العزلة ليست سبباً مقنعاً لأي طمأنينة كاذبة تجاه الخطر الإرهابي الذي يشكله المغاربة الدواعش، فالأيديولوجيا الجهادية لا تؤمن بالوطن، كما هو كجغرافيا وانتماء وهوية، كتاريخ مشترك ومصير موحد، بل لا تتخيله إلا كأمة (مفترضة) للمسلمين، لا تعرف إلا بالسلب، وإلا بأعدائها. والعدو، هنا، قد يكون المحتل أو الأجنبي أو الحاكم، كما قد يكون "الكافر"، أو من يعتبره كذلك "العقل الأصولي"، بكل سهولة ويسر.
لذلك، لا شيء يمنع المدبر الذي يتكلف بتجنيد شاب مغربي، وتحويل أشرعة حلمه من الأرض إلى السماء، وإقناعه بالموت الذي ينتظره في جحيم الشام أو العراق، من أن يقنع الشاب نفسه، من باب أولى، بالجهاد في بلاده.
ولأن آثار احتلال العراق والغطرسة الطائفية وإجرام الاستبداد العربي مبررات إضافية إلى الأيديولوجيا الجهادية المتطرفة، فإن هذه الأيديولوجيا قادرة على التحول إلى إرهاب أعمى، في الموقع الذي تختاره لهمجيتها، سواء داخل مطعم آمن في الدار البيضاء، أو حجرة دراسة في الجزائر، أو حافلة سياحية في القاهرة.