فهكذا يتخلى السوق الشعبي بوسط العاصمة الرباط عن رتابة الأجواء التي سادته طوال أيام السنة، ليلبس لباس المحتفي بحلول شهر رمضان، وتتزين ممراته ومحلاته الصغيرة كما محلاته التجارية الضخمة ببطائق التهاني بمناسبة حلول هذا الشهر، وأخرى تدعو الناظر للإقبال على شراء بضاعتها التي يجتهد أصحابها في ترتيبها وبيان مزاياها لإقناع المشترين.
وفي حديثه للأناضول يقول "الحسين" (35 سنة) بائع تمور بالسوق المركزي للعاصمة المغربية الرباط، إن السوق يسجل منذ الأيام القليلة التي تسبق حلول شهر رمضان، رواجا تجاريا غير عادي، "خاصة مع الإقبال الكبير على بعض صنوف المواد الغذائية التي لا تستطيع الأسر الاستغناء عنها خلال هذا الشهر الفضيل، وفي مقدمتها التمور والفواكه الجافة".
ويضيف "الحسين" أن الأسعار هذه السنة حافظت على استقرارها، وأن العرض وافر بالمقارنة مع الطلب.
الصخب في الأسواق العامة لا تخفت جذوته إلا مع التباشير الأولى لقُرب غروب شمس النهار طويل من الصيام، و بدء استعداد الباعة والمتسوقين على حد السواء للمغادرة، والالتحاق بموائد الإفطار، فيما تعيش المدينة على وقع أجواء رمضانية صيفية تعود خلالها الأسواق لتغص بروادها وتمتلأ المقاهي بزوارها والمساجد بمريديها ساعة بعد آذان المغرب، لتدخل الشوارع لطور آخر من السمر الرمضاني لا يهدأ إلا مع انبلاج الخيوط الأولى لفجر يوم جديد، خاصة أن رمضان هذه السنة يتصادف والعطلة المدرسية السنوية.
وكما أن لرمضان في المغرب مأكولاته المميزة وأشربته الخاصة، فله أيضا لباس تقليدي يتزايد الإقبال عليه مع حلول هذا الشهر الفضيل، حيث يحرص المغاربة نساء ورجالا على ارتداء الجلباب المغربي وانتعال "البلغة" أو "الشربيل" (حذاء شعبي مغربي قديم) ويتم اقتناؤهما خصيصا مع اقتراب بداية شهر الصيام، فالتردد على المساجد خلال صلاة التراويح لا تكتمل زينته إلا بارتداء الجلباب المغربي والبلغة التقليدية.
السلطات المغربية التي تقول إنها حرصت هذه السنة على توفير مواد الاستهلاك الأساسية بشكل وافر في أسواق البلاد، التي حافظت أسعارها على استقرارها باستثناء بعض التغيرات الطفيفة الطارئة على بعض المواد كالأسماك بالمقارنة مع الأيام العادية، تُواصل تفقدها بشكل يومي عبر دوريات لمراقبة سلامة الأغذية واحترام أسعارها للأسواق، تأمينا لصحة المستهلكين من أي أغذية فاسدة، أومضاربة في أسعار بعض المواد، خاصة وسط الإقبال الواسع على الاستهلاك الذي يتسم به شهر رمضان مقارنة مع سائر شهور السنة الأخرى.
وتعود بعض المواد التي ينذُر استعمالها في موائد الأكل من قبل الأسر المغربية للظهور خلال أيام الأولى لشهر رمضان كحلوى "الشباكية" المغربية، لتخصص لها محلات خاصة لا تفتح أبوابها إلا مع اقتراب حلول رمضان، فيما يُقبل المغاربة على شراء بعض المنتجات التي اعتادوا الاستغناء عنها طوال أيام السنة، إما بالنظر لغلاء أسعارها أو عدم حاجة موائدهم إليها، لتصبح خلال هذا الشهر محل طلب وإقبال ملحوظ.
المغرب على غرار دول العالم الإسلامي فإلى جانب الطقوس الدينية التي ترافق إحياء أيام هذا الشهر الفضيل، يتميز أهله بعادات غذائية خاصة، حافظوا عليها لقرون وجعلوا من استحضارها خلال رمضان تكريما لهذا الشهر وشكلا من أشكال التعبير عن تعظيهم لهذه المناسبة الدينية.
فشهر رمضان في الثقافة الشعبية المغربية مُرادف لعدد من الطقوس والعادات الأصيلة التي تحرص كل مدينة على استعادتها ولو لأيام معدودات على طريقتها ووفقا لعُرفها الخاص، فعلى الرغم من شهرة المطبخ المغربي بأكلات رمضانية مميزة كحلوى "الشباكية" و"البريوات" وحساء "الحريرة" التي لا بد للصائمين أن يستفتحوا بها إفطارهم، إلا أن لكل منطقة أسلوبها المتفرد في إعداد هذه الأطباق، وإيقاعها الفريد الذي تجزي أحيائها وأسواقها على وقعه ساعات يوم الصوم، وسمر ما بعد الإفطار.
و"الشباكية"، تصنع بعجينة "تشبك" قطعها بطريقة خاصة وتقلى بالزيت لتغمر بعدها في العسل وتعد إحدى أشهر أطباق رمضان التي يتناول المغاربة مع حساء "الحريرة" الذي يتألف من الحمص والعدس والبقدونس والطماطم، فيما يعد "البريوات"، نوع من الحلويات محشية باللوز وفي بعض الأحيان بصلصة سمك أو دجاج.
أما المساجد المغربية فقد استعدت أياما قبيل حلول شهر رمضان لاستضافة الآلاف ممن يؤمونها لأداء صلاة التراويح، بطلاء جدرانها وتنظيف سجادها أو تغييره وتزويدها بالعدة التي قد يحتاجها المصلون من مصاحف القرآن الكريم، وتسابيح وبخور يعطر جنباتها.
وغصت خلال الأيام الأولى من شهر رمضان بجموع المصلين الذين يفدون إليها من الجوار لأداء صلاة التراويح، فيما تنشط على جنبات المساجد مهن هامشية يمتهنها بعض الشباب وإن بشكل مؤقت، مستفيدين من الرواج التجاري الذي يعرفه محيط المسجد خلال ساعات ما بعد أداء الصلاة، فيفرشون الأرض عارضين مؤكولات و ملابس أو مصاحف وعطور عربية.
وإلى جانب الطقوس الدينية، والاحتفالات العائلية، تنشط بعض الجمعيات المدنية والخيرية خلال هذا الشهر في مساعدة فئات واسعة من الفقراء والأسر المعوزة خلال هذا الشهر، سواء عبر تنظيم موائد الرحمن التي تقدم خلالها إفطارات مجانية للفقراء وعابري السبيل.
وتعمل جمعيات أخرى عبر المساعدات التي تحصل عليها من قبل المحسنين على إعداد ما تسميه "قفة رمضان"، لتزود الأسر الفقيرة بالمواد الأساسية التي تحتاجها لإعداد الإفطار في بيوتها، وتتمكن الأسرة من الالتفاف كما هو حال سائر الأسر المغربية حول مائدة الإفطار مع اقتراب آذان المغرب، متلهفة لرشفة ماء وقضمة ثمر ولسان أهلها يلهج بدعاء سائلا قبول الصيام.