وككل سنة، افتتحت فرق موسيقية تقليدية مغربية المهرجان، وجالت في أهم أزقة المدينة القديمة (المصنفة تراثا إنسانيا عالميا) على مسافة كيلومترا تقريبا.
واصطف جمهور غفير من المغاربة والسياح الأجانب، الذي جاء بعضهم خصيصا من أجل المهرجان، لمعاينة استعراض فرقة "عيساوة الصويرة" (موسيقى إحدى الطرق الصوفية بالمغرب).
وحمل أعضاء الفرقة أعلام بألوان مختلفة، وارتدوا ألبسة تقليدية مغربية، وحملوا البندير (آلة موسيقية شعبية تشبه الدف).
وتعتبر فرقة عيساوة من أبرز الفرق الدينية في المغرب، وهي تنتمي للتقاليد الصوفية، وتستحضر عبر موسيقاها الله متضرعين له طلبا للعون.
وشارك في الاستعراض أيضا "معلمين كناوة" وفرقهم، الذين يرتدون "طاقيات" و"فوقيات" مزينة بالأصداف البيضاء.
وتمايل أربعة "كناويين على إيقاعات دقات الطبول وآلة القراقب ( قطع حديدية ) التي يحملونها في أيديه".
واستعمل لفظ "كناوة" قديما للدلالة على العبيد الذين تم استقدامهم من أفريقيا جنوب الصحراء للعمل في بلاط سلاطين المغرب، في القرن السادس عشر.
وتروي أغاني كناوة معاناة "العبد" أثناء رحلته من بلده ومعاناته، ويمكن للمستمع لموسيقى كناوة أن يلاحظ الايقاعات الاحتفالية للقبائل الأفريقية.
وفي هذا الإطار، تتشابه أسلوب كناوة مع أسلوبي الجاز والسول التي كانت تعبر عن واقع معاناة الأمريكيين من أصل أفريقي مع الاستعباد والعنصرية.
وتتميز مدينة الصويرة، بكونها المعقل الروحي لكناوة في المغرب، الذين اعتنقوا الإسلام في ديارهم الجديدة، وأبدعوا موسيقى صوفية تمزج بين الموروث الأمازيغي والعربي والأفريقي.
وتقام حفلة تسمى "الليلة" للتقرب إلى الله في الزوايا والأضرحة، وهو ما أعطاها البعد الديني والصوفي.
ويعتبر مهرجان "الصويرة كناوة وموسيقى العالم" أحد أبرز المهرجانات الفنية والثقافية التي تقام في المغرب في فصل الصيف.
وتعرف مدينة الصويرة، المدينة الساحلية على المحيط الأطلسي أو "موكادور"، (من الفينيقية موكدول وتعني القلعة الصغيرة)، إقبالا من السياح المغاربة الذين يأتون من مدن أخرى أو سياح من دول أخرى.
وقال سائح من جنسية بريطانية، لمراسلة الأناضول، إنه جاء لزيارة مدينة مراكش، حيث سمع عن المهرجان، وقدم خصيصا من أجل مشاهدة الأجواء الاحتفالية.
وحسب المنظمين، استقبل المهرجان في دورته السابقة، حوالي نصف مليون زائر خلال أربعة أيام.
وعرفت مدينة الصويرة بالتعايش بين المسلمين واليهود على مدى قرون، أنتج تراثا حضاريا ومعماريا يميز المدينة الساحلية.
ويشكل المهرجان، حسب المنظمين، تجربة موسيقية فريدة، إذ تجمع خليطا متناغما من التراث الكناوي الغني ومختلف موسيقى العالم، تمت برمجتها في 30 عرضا موسيقيا على ستة أماكن طيلة مدة المهرجان.
ويستقبل معلمي كناوة العشرون أسماء كبيرة في عالم الجاز وموسيقى العالم، من أجل الإقامات الفنية، والحفلات الموسيقية والمزج الموسيقي المتميز المعروف ب "الفيزيون" بمشاركة فنانين وفرق من مدن مغربية، ودول الولايات المتحدة ، وألمانيا، وفرنسا، ولبنان ودول جنوب الصحراء.
وبالموزاة مع المهرجان، تتميز الدورة الحالية، بتنظيم منتدى "أفريقيا المستقبل" الذي يقام بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان. ويعرف مشاركة شخصيات بارزة وأساتذة جامعيين وباحثين وسياسيين سيناقشون قضايا تهم القارة السمراء.
كما يقام على هامش المهرجان، منتدى للنقاش تحت عنوان "شجرة الكلمات" يتم خلاله تبادل النقاشات بين الكناويين وضيوفهم من الموسيقيين عبر العالم، وتعطى الفرصة للجمهور لطرح الأسئلة والمساهمة في إثراء النقاش.
وتعرف المدينة أيضا تنظيم معارض فنية لتسليط الضوء على فنانيين تشكيليين.