هذه الأخيرة عمرت ولوقت طويل تتنقل بين أروقة هيئة الأمم المتحدة، وسنرصد من خلال هذه الأسطر الخلفيات الكامنة التي تعزى لخلق النزاع حول الصحراء ودور القوى الخارجية في تعميق المشاكل ثم الوقوف على الممكن والمستحيل لوقف الصراع بين الأطراف المتنازعة.
يمكن أن نعيد إشكالية النزاع حول الصحراء إلى بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1830، حيث بدأت الدولة المستعمرة باقتطاع أراضي من المملكة المغربية والجمهورية التونسية لضمها للأراضي الجزائرية اعتقادا من فرنسا أنها ستقوم بإنشاء إمبراطورية مستعمرة في شمال إفريقية، تاركة الأراضي الصحراوية مجرد مراعي لسكان البلدين من غير تحديد تبعيتها لأي سلطة مع أن هؤلاء السكان يدينون بالولاء لسلطان المغرب، مما أدى إلى إرث حدود متفجرة للدول المغاربية بفعل هذا التقسيم الاستعماري.
وبعد انهزام المغرب في معركة إسلي سنة 1844 والغرض منها دعم الثورة الجزائرية وسن إتفاقية لالا مغنية في 18 مارس 1845 بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، تضمنت بقاء الحدود بين البلدين كما كانت في عهد العثمانيين والمغرب بدون تعديل حيث لا يمكن لأي من الدولتين القيام بحدود إنشائية في الهوامش كما أن لا يكون هناك أي ترسيم للحدود بالحجارة... وخلصت المعاهدة إلى أن كل ما هو من جهة الشرق لفرنسا وما هو من الناحية الغربية للمغرب. وما أن بدأت بوادر الإستقلال تلوح في الأفق بالنسبة للمملكة حتى أقترحت الدولة المستعمرة على البلد إرجاع أراضيه التي اقتطعتها شريطة التخلي عن دعم الملك محمد الخامس للثورة الجزائرية، وهذا ما لم يستحسنه السلطان وفضل دعم الجارة الشقيقة والتفاهم مع قادة الثورة في شخص السيد فرحة عباس بصفته رئيسا للحكومة الجزائرية المؤقتة بسن اتفاق مفاده اعتراف هذه الأخيرة بتلك الأراضي المقتطعة والتفاوض بشأنها بعد حصول الجزائر على استقلالها، وهذا ما تم الإخلال به من الجزائر أثناء حصولها على الاستقلال، حيث لم يبقى للمغرب خيار آخر سوى اللجوء لاسترجاع الحدود عسكريا مما أدى لنشوب حرب الرمال في أكتوبر 1963، مما أدخل البلدين بعد ذلك في حرب باردة . أما فيما يخص إسبانيا ونظرا لاكتشاف ثروات طبيعية هامة بباطن الصحراء دخلت هي الأخرى على الخط لتقر بأن الصحراء جزء من التراب الإسباني وبعد اتفاق نواديبو بين المغرب والجزائر وموريتانيا والذي كتب له الفشل باستتناء التقارب بين المغرب وموريتانيا وذلك باعتراف هذه الاخيرة بالصحراء للمغرب، في المقابل اعتراف الطرف الآخر بوجود دولة موريتانيا في عهد المختار ولد دادا. وبعد اتفاقية مدريد نهاية أكتوبر 1974 وعرض القضية على محكمة العدل الدولية بلاهاي حيث أجابة المحكمة عن سؤالين بارزين مفادهما:
هل كانت هذه الأراضي بلا سيادة قبل احتلالها من إسبانيا؟ ثم ما هو تأثير القبائل الصحراوية في مجريات هذا المشكل؟
وفي جوابها عن هاتين الإشكاليتين أقرت المحكمة بأن الأرض قبل احتلالها كانت تحت سيادة المغرب لكن السؤال الثاني أجابت عنه بطريقة جعلت الأمور تأخذ منحى تعقيدي أكثر، مما زاد الطينة بلة، وهذا ما دفع المرحوم الحسن الثاني بالإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء في 16 أكتوبر من سنة 1975 شارك فيها 150000 مواطن مغربي في 06 نوفمبر من نفس العام.
كل هذا وغيره خلق تحول على المستوى الجيواستراتيجي وقد دخلت جبهة البوليساريو والمعروفة بحركة تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب الذي كان من أبرز مؤسسيها مصطفى الوالي بعد فشله مع مجموعته من الطلبة الصحراويين الذين تلقوا الدروس الجامعية من مختلف الجامعات المغربية وتفاعلهم مع القوى اليسارية آنداك الداعمة للإديولوجية الشيوعية المدعومة من الجزائر في أحداث مولاي بوعزة 1965 بشن انقلاب على الراحل الحسن الثاني، مما جعل الوالي وبعض من رفقائه اختيار وجهة الأقاليم الجنوبية للمغرب وتبني الطرح الإنفصالي. وكان من الداعمين للجبهة النظام الجزائري الذي اعترف بها حيث وفر لها المقر الذي يتجلى في تندوف المتنازع حولها بالإضافة للأسلحة وكل المعدات وكان ولا يزال الأب الوصي على الإبن البار، ومن هذا المنطلق دخلت الصحراء في الفر والكر حيث تطالب البوليساريو بقضية تصفية الاستعمار واعتبار المغرب بلد محتل، في حين تقر المملكة بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من وحدتها الترابية...
ومن هذه الفترة حتى وقتنا الحالي أخذ هذا الملف مجريات أخرى سنتناولها في المحور القادم.