ما السر في اهتمامك بما يدور في المغرب، وبالدفاع عن قضية الصحراء؟
سبق لي أن أجبت عن هذا السؤال الذي أعتبره مستهلكا، أكثر من مرة. وبالنسبة لي لا أرى أن الموضوع غريب وأرى أن طرح السؤال هو الغريب، فالكل يعلم أن الصحافيين اللبناننيين بشكل خاص لهم انتشار كبير خارج دولتهم، ويكتبون على قضايا أخرى غير القضايا التي تهم لبنان، لأن القضايا السياسية في لبنان هي قضايا محدودة، مما يجعل المثقف اللبناني دائما يلفت انتباهه الخارج.
والكثير من الصحافيين العرب على مختلف جنسياتهم تجدهم باحثين متخصصين في الشأن التركي مثلا، أو بالجماعات الإسلامية، وأبرز المحللين السياسيين للأزمة السورية هم لبنانيون، فلماذا لم يسأل هؤلاء عن وقوفهم مثلا مع أوضد نظام بشار الأسد... لماذا لا يرون علاقتي بالمغرب من هذا المنظور ؟
ربما للقرب الجغرافي والإرتباط السياسي للبنان بتلك البلدان هم يهتمون بها عكس المغرب البعيد جغرافيا وسياسيا إن صح التعبير؟
طبعا هذا التساؤل يطرح لسبب بسيط هو أن المغرب بعيد عن المشرق، ولو كان الموضوع له علاقة بليبيا مثلا فلن يستغرب أحد لأنه تاريخيا كانت هناك خلافات ديبلوماسية كبيرة بين لبنان وليبيا من أيام اختفاء الإمام موسى الصدر..، نفس الأمر بالنسبة لتونس وحتى من قبل سقوط النظام السابق والمجتمع المدني في تونس معروف في لبنان، والسياسة في تونس كان عندها أقلام صحفية كثيرة تكتب عنها في جرائد لبنانية معروفة، لكن بالنسبة للمغرب هو بلد بعيد ليس عن لبنان فحسب بل المشرق ككل، لأنهم يحسون بأن الثقافة المغربية بعيدة عنا، كما أن الإعلام المغربي لم ينجح في إيصال القضايا المغربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا إلى بلدان المشرق العربي.
أنا مهتمة بملف الصحراء ما فرض علي أن أقترب من الشأن المغربي لأنه لا يمكن مناقشة ملف الصحراء دون أن نعرف طبيعة الحياة السياسية للأحزاب المغربية، أو دون أن نعرف العقلية التي يفكر بها القصر، أوبدون أن نعرف مثلا دور الديبلوماسية الشعبية، وهل هي مجرد وهم أم هي موجودة على الأرض؟
لماذا الاهتمام بقضية الصحراء بالضبط؟
قضية الصحراء بدأت الخوض فيها قبل أربع أو خمس سنوات بالصدفة وبعد ذلك تراكمت الأحداث وأصبحت أكثر اهتماما بها.
وبدأت الكتابة عن الصحراء المغربية بعد زيارتها، ومن بعد ما جلست مع كل شرائح المجتمع الصحراوي من شيوخ القبائل، و تجار وناس عاديين في الشوارع...مما يجعل كتباتي مبنية على الواقع وليست مجرد كلام سطحي، وهو ما جعلها تلفت انتباه المغاربة...
منذ 2007 وإلى غاية اليوم توجد وفود أجنبية تزور مدينة العيون خاصة من أوربا وأمريكا، وأحيانا أسترالية وأسيوية، ومنهم ناشطين ومنهم صحافيين ومنهم محاميين، وكلهم يعقدون مؤتمرات صحفية وأحيانا يكتبون مقالات صحافية حول ملف الصحراء، ولم ير أحد أن في الأمر غرابة.
ولم في نظرك؟
ربما لأنني العربية الوحيدة المهتمة بالموضوع، بحيث انه لا يوجد عرب آخرون لهم اهتمام بنفس الموضوع ، وهذا مشكل عائد لعدم اهتمامهم بالمغرب، لأنهم لا يريدون فهم المغرب أو ربما تكاسلا لقربهم من دول المشرق يهتمون أكثر بمصر وفلسطين..كما أن المغرب أخد صفة الحياد في الأزمات العربية مما جعل العرب بدورهم بعيدون عن الشؤون الداخلية للمغرب.
يتهمك البعض بالاسترزاق على قضية الصحراء، بما تردين؟
الكثير يتهمونني بالاسترزاق والكثيرون أيضا يرون العكس، أغلب مقالاتي عن ملف الصحراء لا يوجد فيها تمجيد للقصر ولا لإدارة الديبلوماسية المغربية لملف الصحراء، بالعكس تماما يوجد فيها تسليط للضوء على عيوب هذه الديبلوماسية، لأنني اشتغلت على هذا الملف ميدانيا وحضرت أنشطة بالمغرب وخارجه لها علاقة بهذا الملف، فخبرتي عملية وليست تنظيرية مثل غيري.
ومن يقول أنا أسترزق ويملك دليلا فليظهره إلى الرأي العام خدمة لبلده ولشعبه، ولضميره، لماذا لا يشككون في آخرين يكتبون العديد من المقالات عن الصحراء؟ لماذا لا يتكلمون عن عشرات المستفدين من الصحراويين المتورطين في ملفات فساد بملايين الدراهم؟ طبعا لأنهم يرون فقط الذين يوجدون بالواجهة. وهذا لا يضايقني ومن يريد أن يشتمني فعليه بالمقابل أن يتحمل مني الشتيمة وليس الافتراء لأني لا أفتري على الذي يفترون علي.
موضوع الصحراء قررت المضي قدما فيه لوحدي وأسست مؤسسة لوحدي، أنا لست ناشطة قاعات ومؤتمرات أنا ناشطة موجودة في الشارع، كما لا يهمني أن تحبني النخبة المغربية من مثقفين وصحافيين..، هؤلاء يمكن أن تكتسب حبهم بالمجاملة بخدمة معينة، لكن ما يهمني هو حب الناس العاديين الذين ألتقيهم في الشوارع والمقاهي، فمثل هؤلاء لو رأو أني كاذبة لما أحبوني...ثقة الناس لا يمكن أن تشترى، بل تكتسب إذا كان الانسان صادقا..
يؤاخذك البعض –وأنت حقوقية- على وقوفك إلى جانب الموقف الرسمي، فعلى سبيل المثال جمعية حقوقية مغربية أيدت توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بينما رأيت العكس، فهل أنت مغربية أكثر من المغاربة أنفسهم؟
بالنسبة لي لم يسبق لي أن التقيت بمغربي وطني أصيل كان مع توسيع صلاحيات بعثة المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، إذا كانت هناك جمعية مغربية طالبت بذلك فهؤلاء ليسوا وطنيين، لأن مهمة بعثة المينورسو عند تأسيسها كانت مراقبة وقف إطلاق النار ولم تكن مهمتها مراقبة حقوق الانسان.
والمغرب لن يوافق على مثل هذه المقترحات لأنه موجود على أرضه، والصحراء ليست منطقة محايدة حاليا، وأي مراقبة لحقوق الإنسان في الرباط أو العيون سيجعل الأمر يبدو كما لو أن هذه المنطقة خارجة عن إطار المغرب.
وإذا تحدثنا عن الشق الحقوقي فالمغرب اليوم وباعتراف المجتمع الدولي أصبح أكثر من أي دولة عربية يتوفر على عدة مراكز لمراقبة حقوق الإنسان، وأنا كناشطة حقوقية منحازة داخل كل بلد لما يخدم سيادة الدولة أولا، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع حقوق الإنسان في هذا الوطن.
مراقبة حقوق الإنسان من قبل المينورسو هي انتهاك لسيادة المغرب، وأنا أشك أصلا في كون المينورسو قادرة على مراقبة حقوق الإنسان. يوجد أكثر من 16 بعثة أممية لمراقبة وقف إطلاق النار حول العالم لا تشمل مهامها مراقبة حقوق الإنسان، لماذا يراد للمغرب أن يكون الاستثناء؟
والمغرب بالنسبة إلي حقق في المجال الحقوقي ما يفوق ماهو موجود في الدول العربية الأخرى كلبنان ومصر والدول الخليجة...
والمغاربة أنفسهم متحفظين على جمعيات مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي طالبت بتوسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وعلى مصادر تمويلها. هذه الجمعية تتفقد دائما معتقلي أحداث اكديم إزيك الذين تورطو في جرائم قتل لأفراد قوات الأمن، لكنها بالمقابل لم ترسل ناشطا واحدا إلى أسر الضحايا للاطمئنان عليهم، فكيف تخاف جمعية حقوقية على طريقة حياة القاتل بالسجن، لكن لا تخاف على كرامة وشعور أهالي الضحايا أليس هذا استفزازا للشعب المغربي...؟ كل ما في الأمر أن بعض الجمعيات تصفي اليوم حساباتها مع القصر وتوابع القصر من خلال ملف الصحراء...
في نظرك إلى أين تتجه قضية الصحراء في ظل تمسك أطراف النزاع بمواقفها في المفاوضات؟
المفواوضات في شكلها الحالي لن تأتي بنتائج إن بقيت على حالها، حتى لو انتظرنا 10 سنوات، المغرب طرح مقترح الحكم الذاتي الكل يقول عنه إنه أقرب إلى الواقع والمنطق التفاوضي، بينما الجانب الآخر لم يطرح أي بديل.
صحيح أن الدول المؤثرة في العالم تقول إن المقترح المغربي واقعي، لكنهم لم يحسموا الموضوع وليس هناك موقف صريح صادر عنهم يعترف بأن المقترح المغربي هو الحل، لأن هذه الدول لا تريد أن تعادي الجزائر أو المغرب فتلعب على التصريحات والمصطلحات السياسية.
مادام أن البوليساريو تتكلم عن منطق واحد للتفاوض هو منطق تقرير المصير القائم على الاستفتاء، فكيف يمكن تطبيق تقرير المصير؟ والأمم المتحدة أقرت منذ سنوات أن الاستفتاء لم يعد حل قابل للتطبيق لعدة أسباب منها، من هم المشمولين بهذا الاستفتاء...؟، هم يتكلمون عن تقرير المصير في ظل أن الاستفتاء غير ممكن فما هي آليات تطبيق تقرير المصير؟ هم لم ولن يطرحوا بديلا آخر وكل ما يقومون به هو محاولة ضرب المغرب بورقة حقوق الإنسان رغم أن هذه الورقة لا يجب أن تكون لا للضرب ولا للتصفيق للمغرب، هذه الورقة هي شأن داخلي مغربي، وإذا أخطأ المغرب اليوم في مجال حقوق الإنسان مثله مثل أي نظام عربي آخر، هذا لا يعني أن يتم أخذ جزء من أراضيه.
بالمقابل في مقترح الحكم الذاتي هناك آليات تطبيق، كالجهوية الموسعة والحكم المحلي والبرلمان المحلي...، الحكم الذاتي ورقة تفاوض حضارية تحترم معايير القانون الدولي.
خلاصة القول إن كل ما في الأمر أن هناك تصفية حسابات بين المغرب والجزائر من خلال ورقة اسمها البوليساريو، وليس هناك قرار دولي بتحريك عجلة هذا الملف، وأعتقد أن الأمر لن يبقى على ما هو عليه أكثر من سنة أو سنتين، خصوصا أنه بعد الربيع العربي صار واضحا أن هناك حراكا بالملف لكن يبقى السؤال هذا الحراك في أي اتجاه يسير؟ سؤال يمكن أن نجيب عنه بعد مناقشة التجديد لبعثة المينورسو قريبا، فإذا لم تطرح مشاريع قرارات جديدة يمكن الاطمئنان أن هناك قرارا بأن تبقى الأمور على ما هي عليه حاليا لسنتين أو ثللاث سنوات أخرى..