في شهر أبريل ـ نيسان ـ الجاري سيجتمع مجلس الأمن للمرة الثامنة والثلاثين لمناقشة تمديد مهمة "المينورسو" (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية) بهدف المصادقة عليها، وذلك منذ اندلاع أقدم نزاع إقليمي في القارة السمراء عام 1975، بين المغرب وجبهة "البوليساريو". فبعد انسحاب اسبانيا من المستعمرة القديمة الواقعة في شمال غرب إفريقيا تقاسم المغرب وموريتانيا إدارتها حسب اتفاقية وقعت تحت إشراف المستعمر السابق في مدريد عام 1975، قبل أن تنسحب موريتانيا عام 1979 من الجزء الذي كانت تديره ليصبح الإقليم برمته تحت إشراف الإدارة المغربية.
وسنة بعد اتفاق تقسيم إدارة الإقليم بين المغرب وموريتانيا، أعلنت "البوليساريو" (جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) عن ميلاد "الجمهورية العربية الصحراوية" بدعم من الجزائر وفوق أرض جزائرية، ليأخذ الصراع بعدا إقليميا ألقى، ومازال، بتداعياته على دول المنطقة وشعوبها طيلة العقود الأربعة الماضية.
مواقف أطراف النزاع
بالنسبة للمغرب، فالإقليم يعد جزء من ترابه الوطني، سعى إلى استرداده من الاستعمار الإسباني من خلال "المسيرة الخضراء"، عندما توجه أكثر من 350 ألف مغربي في مسيرة سلمية مشيا على الأقدام لاسترجاع الإقليم من المستعمر الإسباني. وحتى عام 1991، تاريخ تطبيق وقف إطلاق النار، خاض المغرب حربا مكلفة ضد مقاتلي "البوليساريو" الذين يطالبون باستقلال الإقليم. وعلى الطرف الآخر وقفت الجزائر مساندة لجبهة البوليساريو"، ومطالبة بحق "الشعب الصحراوي"، الذي يمثل أغلب سكان الإقليم الأصليين في تقرير مصيره في استفتاء شعبي تحت رعاية الأمم المتحدة.
فشل دبلوماسي متكرر
لكن منذ اتفاق أطراف النزاع على إيجاد تسوية سلمية وسياسية له، زار المنطقة الكثير من الدبلوماسيين الأمميين ممثلين للأمناء العامين الذين تعاقبوا على الأمانة العامة لـ "الأمم المتحدة" منذ سبعينات القرن الماضي. وكان مصير مهامهم كلهم بدون استثناء الفشل. مرة بسبب استحالة وضع لائحة للمؤهلين للمشاركة في استفتاء تقرير المصير، ومرة بسبب تمسك طرفي النزاع الأساسيين، المغرب وجبهة "البوليساريو"، بمواقفهما التقليدية. لذلك لم يرى الاستفتاء الموعود النور، والحل السياسي المنتظرة مازال يتعثر بين جولات المفاوضات التي تدور منذ سنوات تحت رعاية أممية، في حلقات مفرغة.
وفي عام 2007، تقدم المغرب بمقترح يقضي بمنح سكان الإقليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، لكن جبهة "البوليساريو"، رفضت المقترح المغربي، ودعت إلى استفتاء لتقرير المصير يشمل حتى المقترح المغربي، بحيث يخير السكان مابين الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال أو الحكم الذاتي، وهو ما رفضه المغرب. وطيلة السنوات الماضية والنزاع يوجد في حالة جمود، يدفع ثمنه آلاف الصحراويين الذين يعيشون منذ عقود في ظل ظروف قاسية داخل مخيمات اللاجئين بالجنوب الجزائري، وشرائح واسعة من الشعب المغربي الذي تثقل تكاليف النزاع على أوضاعه المعيشية الهشة.
بعد جديد للنزاع
وفي السنوات القليلة الماضية أخذ النزاع بعدا جديدا، عندما اتخذ من قضية حقوق الإنسان مجالا جديدا للصراع بين المغرب وجبهة "البوليساريو". فالمغرب يتهم الجبهة بـ "احتجاز" اللاجئين في مخيماتها في الجنوب الجزائري، وسلبهم من حقوقهم المدنية والسياسية. وبالمقابل ترى الجبهة أن المغرب يرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المناطق التي تخضع لإدارته داخل الإقليم. حلبة الصراع الجديد اتسعت وأصبح لها بعد دولي عندما طالبت بعض الدول بتوسيع مهام "المينورسو" لتشمل مراقبة احترام حقوق الإنسان في الإقليم وفي المخيمات التي تقع تحت سيطرة الجبهة. وفي العام 2013، تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمقترح لتوسيع مهام "المينورسو"، في اتجاه لأن تتولى مراقبة احترام حقوق الإنسان في المنطقة التي تخضع لنفوذ مراقبتها، لكن هذا الاقتراح لم يحظ بتأييد من باقي الأعضاء الدائمين داخل مجلس الأمن، فتم سحبه، لأن قرارات المجلس ومنذ اندلاع هذا النزاع يتم اتخاذها بتوافق بين جميع الأعضاء الدائمين.
البحث عن دينامية جديدة
المبعوث الحالي للأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة، هو الدبلوماسي الأمريكي المخضرم كريستوفر روس، توصل إلى قناعة مفادها أن إخراج النزاع من حالة الجمود الني دخلها منذ عدة سنوات تقتضي إيقاف مسلسل المفاوضات غير المجدية، والدخول في دينامية جديدة تسعى إلى إشراك باقي الأطراف المعنية بالنزاع وبمستقبل المنطقة في المشاورات المكوكية بدأها منذ عام من أجل سبر طرق جديدة لإيجاد "حل سياسي عادل ودائم ومتوافق عليه.."، كما تنص على ذلك جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالنزاع.
وبسبب أسلوبه الجديد في إدارة النزاع دخل كريستوفر روس في مواجهة مع المغرب الذي أعلن عام 2012، ومن طرف واحد، سحب ثقته منه قبل أن يتراجع عن قراره بعد تمسك الأمين العام للأمم المتحدة بالدبلوماسي الأمريكي كممثل له. ومنذ ذلك التاريخ وعلاقات الطرفين بشوبها الكثير من التوتر بعد أن فُقد عامل الثقة بينهما. وبات المغرب مع اقتراب كل استحقاق يتعلق بالنزاع يترقب ما قد تحمله تقارير كريستوفر روس من مفاجئات. والتقرير المقبل هو الذي سيعرض خلال أيام أمام مجلس الأمن للتصويت عليه.
خطوة مغربية استباقية
المغرب كالعادة استبق التقرير المقبل بالإعلان عن عدة إجراءات تدبيرية من قبيل المصادقة على مشروع قانون يستثني المدنيين من المحاكمة أمام القضاء العسكري، وقرار الحكومة المغربية التفاعل السريع والتجاوب الفعال مع الشكايات المتعلقة بخروفات حقوق الإنسان لاسيما تلك الواردة من الإقليم المعني بنزاع الصحراء الغربية. وهو ما قرأ فيه المراقبون خطوة مغربية تستبق التقرير الذي سيغرض خلال أيام أمام أنظار مجلس الأمين حول قضية الصحراء.
في انتظار رياح "الربيع العربي"
لقد ظل نزاع الصحراء الغربية منسيا طيلة عقود رغم التكلفة الباهظة التي تسبب ومازال يتسبب فيها للمنطقة وشعوبها، حتى بات ينعث بأنه أقدم نزاع في القارة السمراء كأحد مخلفات الحرب الباردة في القرن الماضي. وعندما بدأ التفكير في إيجاد حل سلمي لهذا النزاع بعد أن هدأت طلقات البنادق في بداية تسعينيات القرن الماضي دخل حالة جمود تعيد إنتاج نفسها سنة بعد أخرى.
مع اندلاع رياح ثورات "الربيع العربي" كان يعتقد أن يعطي الحراك الشعبي في المنطقة دينامية جديدة لهذا النزاع في أفق تسريع إيجاد حل له، لكن المقاومة التي أبداها النظام في الجزائر لكل تحرك شعبي، والتفاف النظام المغربي على مطالب شعبه الديمقراطية، واستمرار فرض جبهة "البوليساريو" لإرادتها على اللاجئين في المخيمات، كلها عوامل تنبئ بأن لا شئ سيتغير وبأن حالة الجمود ستستمر لسنوات مقبلة ومعها تستمر مأساة شعوب المنطقة إلى آجل غير مسمى.