لما تكتب المرأة ننظر إليها بحذر ممزوج بالذهول، النظرة نفسها التي نواجه بها أنثى تدخن سيجارة في مكان عمومي.. ما هذا الانحلال؟ ومن أين لها بكل هذه الجرأة؟ يتساءل ذكر مع نفسه ويمضي متذمرا وهو ينفث سيجارته بانتشاء.
حين تكتب المرأة، نتجسس أولا على صورتها في ظهر الغلاف، نتأمل حروف الجمال، نجول بين الفتحة والسُّكون، نحلل لغة العيون، نقيس مدى انضباط خصلات شعرها لقواعد التحويل، ونغرق مليا في تفاصيل خطوط قلم الشفاه، وبعد ذلك نقول: «جميل، لنرى ماذا خط قلم هذه الأنثى..».
نقرأ كتابات المرأة بتعال ذكوري ملتبس، إما نبالغ في الاحتفاء بها وكأننا نحفز طفلا على الحبو، وإما ننثر عليها الورد وكأننا نتغزل في مشيتها الرشيقة، وإما ندقق في رصد انحرافات التعبير وجرأة الخطاب وكأننا نحاسبها على إفراطها في ملح الطعام، وإما نتحرش بإيحاءات النص ونزق اللغة وكأنها دعتنا بين السطور لرقصة إيروتيكية..
تصدمنا المرأة حين تخرج من مطبخها بنصوص خالية من الدسم الأنثوي وغنية بفيتامين الفحولة، تهيننا النساء حين يقدرن على طبخ نص أدبي أكثر طراوة من الرغيف وألسع من طبق حار، تستفزنا جرأتهن في خلع حجاب اللغة عن الجسد، ونتهمهن بالعهر كلما تواطأن مع أبطال رواياتهن في مشاهد حميمية..
نقف مندهشين أمام امرأة تكتب.. لا يمكن! نقول في قرارة أنفسنا كلما تمردت امرأة على صنبور الماء ومساحيق الغسيل ورشتنا فجأة بمائها الأدبي..مستحيل! نتساءل من فرط الصدمة: متى وجدت فسحة للتأمل والارتماء في أحضان الورق؟ وكيف نجحت في التسلل من الحراس واقتراف الخطيئة؟.. كيف يمكنها الكتابة بيدين مقيدتين بعمود السرير وكفين مخضبتين بالحناء..
قبل أن نحلل ما تنشر، نتفحص أولا نصاعة بياض القمصان التي تنشر كل صباح على حبل الغسيل، لنتأكد من أنها أنهت أشغال التنظيف والطبخ كاملة قبل أن تتسلى بطرز الحروف، وبأنها قدمت كشفا دقيقا لحساب أداء أدوارها التقليدية؛ وبعد ذلك نُخضع نصوصها للتحليل الدقيق في مختبرات النقد الذكوري كي نكشف نقط عطرها على الحروف وأثر كحل عينيها على الهوامش..وكأن النساء توقعن نصوصهن بأحمر الشفاه وتكتبن بفقاعات الصابون..
وكأن الكتابة أنثى لا تطاوع إلا ذكرا فحلا، لا نقبل في لاوعينا الجماعي أن تترامى النساء على غوايتها وتتورطن معها في العشق الممنوع، فالكتابة فعل فكري عميق يشترط حكمة وبصيرة، والنساء في ذهنيتنا الذكورية مجرد كائنات عاطفية هشة، ناقصات عقل وغارقات في السطحية..
لا أدري لماذا نفصل دائما بين الأدب والأدب النسائي، وكأنهما جنسان إبداعيان مختلفان في معيار النقد والتقييم الجمالي..لا أدري لماذا نُخضع كتابات الرجل لمقياس العلم والمعرفة ونفصلها عن واقعه المعيش، بينما نُخضع كتابات المرأة لمجهر التلصص الأخلاقي وسوء الظن المبيت والإسقاطات الجاهزة دون فصل بين الحياة الشخصية والعوالم المتخيلة للذات المبدعة..
الكتابة فعل تحرري يتمرد على الهوية الجنسية والاجتماعية، الكتابة مغامرة لا تُقاس بدرجات هرمون «الأستروجين» أو طاقات الفحولة، الكتابة حرية وإبداع من الإنسان وإليه، إما يكون ذا قيمة أو لا يكون... ماذا لو كانت الكاتبات لا يوقعن نصوصهن أو كانت تنسبهن لذكر مجهول؛ هل كان القراء سيكشفون ماركة عطرهن أو يضبطوهن متلبسات بالسير بكعب عال بين ممرات السطور؟