موقع "يابلادي" زار عددا منها ليرصد كيف تحولت من مقاهي أدبية إلى مقاهي بلا أدب.
بإحدى المقاهي الأدبية بوسط مدينة الرباط ، حيث اختلطت رائحة القهوة السوداء القوية برائحة السجائر الخانقة وتعالت موسيقى أغنية لبنانية عصرية ،اجتمع الكثير من الزبناء...منهم من يتجاذب أطراف الحديث حول الروتين اليومي وجديد مباريات الدوري الإسباني وآخرون شباب يسلون بعضهم ويتبادلون النكث، فتارة يخفضون أصواتهم و تارة أخرى ترتفع ضحكاتهم، وفي الجهة الأخرى انزوى في إحدى أركان المقهى ، حبيبان يتقاسمان النظرات و الابتسامات و عبارات العشق غير مبالين بمن حولهم، وجلس آخر بإحدى زوايا المقهى منشغلا في التعبير على حائطه الفايسبوكي ، في حين فضل صاحب معطف أسود، مشاركة جلسته مع جريدته يقلب صفحاتها ويحتسي فنجان قهوة، و انهمك رابع في تصحيح رزمة من أوراق الامتحانات و شفتاه تعانق السجارة، أما النادلون ،ذكورا و إناثا فهم في حركة مستمرة في جميع اتجاهات المقهى يكرورن عبارات ألفوها مصحوبة بابتسامة عريضة "مرحبا أسيدي ،أشنو تشرب"و "ها الصرف،الله يخلف".
مقهى أدبي اسم لا يعكس المسمى :
"أول مرة أعرف أن هذا المقهى أدبي،لم أكن أعلم إطلاقا أن تظاهرات ثقافة و فنية تقام داخله ،حيث أفضل هذه المقهى ويعجبني القدوم إليها لأجل الترفيه و الترويح عن النفس و تكسير رتابة الحياة "تقول حنان إحدى زبونات المقهى .
فلا شيء في المقهى، يوحي بخصوصية المقهى الثقافية حيث لا يتوفر على مكتبة، وجدرانه لا تحمل صور الفنانين أو أية صورة ترمز للأدب ، و حتى الأثاث أثاثه و طريقة ترتيب الكراسي لا تدل على أنه فضاء مخصص لاستقبال الندوات و التظاهرات الفنية، كما لو أنه مقهى عادي مثل غيره من المقاهي، اللهم بعض الملصقات التي وضعت على زجاج الباب الداخلي للمقهى، حيث تشير إلى أزمنة وأمكنة لمعارض وتظاهرات فنية ستقام في فضاءات أخرى بالمدينة.""ما كين لا إعلان و لا إشهار ثلاث سنوات و أنا كانجي لهاذ البلاصة و ما عرفت أنه مقهى أدبى حتى لدابا ،على الأقل كانو يديرو في ورقة الحساب "الأديسيون "إشهار لأنشطتهم" يقول عادل أحد رواد المقهى متعجبا،ويضيف متهكما"أنا عمري ماشفت هنا شي تظاهرة ثقافية ولكن كنشوف بعض الناس كيجوا يحتافلو بعيد ميلادهم"
مقهى أدبي ...ولكن:
جاءت المقاهي الأدبية "كانتفاضة" للمهمشين من الكتاب لاستعادة الدور الشعبي لها، لمواجهة احتكار أنشطة وزارة الثقافة، واتحاد كتاب المغرب، وبعض المراكز اللغوية الدولية الموجودة بالمملكة. و ظهرت أساسا كنوع من "الموضى "ومكمل للمقاهي التقليدية بهدف الخروج بالعمل الثقافي والأدبي من القاعات المغلقة التي لم يعد الجمهور متحمسا للإقبال عليها وتقريبه له، وهنا بدأ التفكير في المقاهي باعتبارها محجا للكثير من الناس، وخاصة الموظفين والأساتذة والطلبة، أي الجمهور المفترض للأدب وللكتاب عموما.
"كنا نقوم بتنظيم العديد من الندوات و اللقاءات التفافية، داخل المقهى تبعا لبرمجة سنوية تتضمن تواريخ محددة ، ونجهز الفضاء بمجموعة من المعدات اللوجيستيكة و الصوتية ،ونأثت الكراسي على شكل حجرة الدرس، قصد توفير كل الظروف الملائمة . خلال هذه اللقاءات كان يتم تقديم بعض الأعمال و إصدارات لفنانين مغاربة و أجانب يتعرف عليهم الجمهور عن قرب " .يقول مراد مسير المقهى .
بالإضافة إلى البحث عن الربح المادي فان أصحاب المقاهي الأدبية يبحثون عن النهوض بالشأن الثقافي وإخراج هذه الفضاءات من إطارها الاعتيادي الذي جعلها فرصة لتجزية الوقت فيما لا يفيد، حيث ينصرف أغلب الرواد إلى الثرثرة والنميمة ولعب ورق النرد وما على ذلك، وبذلك يكون اقتحام هذه الفضاءات لهدف إشراك روادها في بعض قضايا الأدب والفن والإبداع "اللقاءات داخل المقهى تكون مفتوحة للعموم وليست حكرا فقط على أصدقاء وزملاء الكاتب أو الفنان، فمنهم من يستهلك المشروبات و منهم من لا يستهلكها ،وتبقى الخدمة كما هي دون رفع أو تخفيض للأثمان لأننا لا نبحث فقط على الربح المادي بل و أيضا على نشر الثقافة وتقريب الكتاب للمواطن و إعطاء صورة جيدة عن المقهى " يؤكد مراد.
لكن المقهى الذي كان في ما مضى مقهى أدبيا أصبح اليوم بدون أدب،و انطفأ اشعاعه الثقافي و الفني ليصبح مقهى كباقي المقاهي الأخرى ،بسب ضعف إقبال الزبناء على التظاهرات الثقافية "كنا نخصص اليوم بأكمله للنشاط الثقافي ونفتح أبوابنا للعموم لكن الإقبال يكون ضعيفا و هذا أمر مكلف للمقهى، نحن نوثر الجانب الثقافي على الجانب الربحي، لكن للأسف يكون عدد الحضور ضعيفا ،لأننا مجتمع تغلب عليه الامية، ونسبة قليلة من الناس تلم بالمسرح أو الشعر ،تنضاف إلى هذا وذك غياب ثقافة المقهى الأدب لدى شرحة واسعة من الناس" يحكي مراد وهو يتجرع مرارة الوضع الذي آل اليه المقهى ،ويضيف"هناك مشاكل مادية و صراعات حول تجديد العقد بين ملاك المقهى و مكتريه". وفي نفس السياق يقول محمد وهو أحد النادلين بالمقهى " الكثيرون من الناس لا يفضلون التظاهرات الثقافية و هذا هو سبب "إقلاعهم "عن الحضور للقاءات التي تقام داخل المقهى، في حين نلاحظ "إدمانا" متزايدا على المقهى عندما يتعلق الأمر بأعياد الميلاذ التي يحتفل بها بعض زبنائنا خاصة الشباب،الناس كيبغو النشاط هذا ما عطى الله".
الفنان و المقهى الأدبي:
"ظروف الاشتغال و الإبداع داخل المسرح تكون ملائمة بخلاف المقهى الأدبي فنحن ليس لدينا مقاهي أدبية بمفهومها الصحيح كما هو الحال في الدول المتقدمة " تقول جميلة التلمسي ممثلة مغربية سبق لها أن قدمت مرة واحدة عرضا عبارة عن "وان مان شو" داخل المقهى الأدبي،تسترسل "سبب تراجع المقاهي الأدبية ليس في الفنان،فالفنان المغربي في أي مجال كان يحاول الإبداع كيفما كانت الصعوبات و الظروف التي يصطدم بها "وتردف قائلة بنبرة متحسرة"للأسف ليست هناك استمرارية للتظاهرات الثقافية بالمقهى ، و برمجة محددة تتيح للفنان ضبط مواعيده و التحضير الجيد لتقديم أفضل مالديه،ويتم التركيز بشكل أكبر على العروض الموسيقية أوتوقيع الكتب في حين لا تقدم العروض المسرحية أو الثمتيلية إلا ناذرا"
*الرافعي: يجب أن نتحدث عن تقريب الكتاب إلى الناس كما نتحدث عن تقريب الإدارة للمواطنين
كيف يمكن للمقاهي الأدبية أن تساهم في التنشئة الثقافية؟
يتحول المقهى الأدبي في مناسبة أسبوعية أو شهرية إلى مكان يعرف بجديد الإصدارات ويحفز الأشخاص الذين لا يملكون دربة القراءة على اقتناء الكتب ، وعلى اللقاء المباشر و التواصل الحي مع الكتاب و الباحثين و بهذا المعنى يتحول المقهى إلى تقليد ثقافي ، بالتالي يجب أن نتحدث عن تقريب الكتاب للناس كما نتحدث عن تقريب الإدارة للمواطنين، فيتحول المكان المألوف لدى رائده إلى مكان يجد فيه إضافة رمزية تتمثل في وجود الكتاب خاصة بالمقاهي التي تتوفر على مكتبات للاطلاع ، وهذه المسالة لا يجب أن تكون اعتباطية ،بل يجب ان يخصص لها وقت و ان تهتم بها المؤسسات المهتمة بالشأن الثقافي خاصة وزارة الثقافة التي من واجبها أن تعمل على وضع استراتيجية لتحويل هذا الأمر الى تقليد ثقافين تعمل على وإرساء أشكال جديدة لنشر الثقافة و خلق شراكات و الاتجاه نحو الدعم أصحاب المقاهي وتحفيزهم على التواصل مع المبدعين وعلى احتضان الكتاب المغربي حتى لا يبقى ظهور المقاهي الأدبية مرتبطا بمبادرات شخصية
كيف ذلك؟
يجب على وزارة الثقافة أن تكلف مسؤولين داخلها لاستقبال ملفات أصحاب المقاهي الذين يرغبون في تحويل مقاهيهم وجعلها توفر أعمال موازية وادوار مثل دور الشباب و دور الثقافة ثم معرفة تصوره للمقهى الأدبي و تحديد مجال الاشتغال هل الفنون التشكيلية أم النصوص الأدبية و انطلاقا من تصور هذا المشروع يمنح له دعم بع ذلك توضع لجان للمراقبة وللتتبع وللتكوين وويمكن ان تخلق فيدرالية بين أصحاب هذه المقاهي لوضع برنامج ثقافي سنوي
لا يجب أن نراهن على التطوع فقط لأنه غير كافي لخلق ثقافة بل من اللازم وضع استراتيجية واضحة للنهوض بالشأن الثقافي بالمغرب .
هل تعتبر المقاهي الأدبية بديلا أم مكملا للندوات و المعارض الثقافية التي تنظمها وزارة الثقافة بالمغرب؟
لا تعتبر بديلا بل هي موازية ومكملة لكن هذا يقتضي وضع إستراتيجية للنهوض بمثل هذا النوع من المشاريع الثقافية و أن لا ننتظر أن" تنبت" المقاهي هكذا
مع ظهور المواقع الإلكترونية أصبحت ظاهرة المقاهي الثقافية تجمعا للافتراضيين على ارض الواقع الى اي حد يعتبر هذا الطرح صحيحا؟
أنا لست متفقا مع هذا الطرح ،لاحظت ان العديد من التجمعات الافتراضية تحولت الى مجالس ثقافة حقيقية خاصة و أنه يتم
اقصاء للعديد من الجمعيات و الكتاب و المبدعبن ويتم التركيز على نفس الاسماء و على نفس الوجوه ، لدى فكر هؤلاء "المقصيون "في خلق فضاءات جديدة خاصة بهم بها ومن بين هذه الاشكال المقاهي الأدبية
*أنيس الرافعي كاتب وقاص
*الزكاري:تراجع المقاهي الأدبية بالمغرب يتداخل فيه ماهو اقتصادي و قانوني وثقافي
ماهي أسباب تراجع المقاهي الأدبية بالمغرب؟
هناك أسباب متعددة ومختلفة فمن جهة هناك اسباب مرتبطة باصحاب المقاهي انفسهم حيث يجب ان يكون مقتنعا بالفكرة وبطبيعة المقهى الادبي يجمع بين الجانب التتقيفي من جهة و من جهة اخرة بالجانب التجاري عن طريق الاستهلاك هناك ايضا سبب قانوني فالذين يرغبون في خلق مشروع مقهى ادبي يجب ان يأخذوا رخصة من عند الباشوية ومن جهة اخرى اعتبار المقاهي الادبية حديثة بالمغرب خلافا للدول المتقدمة كالدول الاوروربية ينظاف الى ذلك السبب الثقافي و الذي يتجلى في غياب ثثقافة المقهى الادبي عند بعض الاشخاص حيث نلاحظ في المدن الصغرى اقبالا عدد كبير من الاشخاص على المقاهي الادبية بسبب غياب اماكن اخرى للتثقيف
كيف يعمل اتحاد كتاب المغرب للتطوير المقاهي الأدبية؟
تساهم فروع اتحاد كتاب المغرب بمختلف المدن المغربية فيالنهوض بالمقاهي الادبية من خلال استدعاء مبدعين في مختلف مجلات الادب و الفن فضلا غن القيام بمعارض تشكيلية لمناقشة الشأن التشكيلي بالمغرب و سبب ولادة المدن المغربية هو اتاحة الفرصة للقاء بالمبدعين في جو عائلي وفي جو اخوي تعمه الصداقة و الارتباط من اجل ربط تواصل مع الحاضرين الذين كانوا يرتادون هذا النوع من المقاهي و بالتالي فهذه الأخرة تعد بؤرة للحوار و النقاش وتبادل الآراء .
في نظركم ماهي الحلول الناجعة لتطوير المقاهي الأدبية حتى ترقى إلى مستوى المقاهي الأدبية في الدول المتقدمة على الأقل بالمدن الكبرى؟
أرى انه من واجب الجهات المسؤولة خاصة وزارة الثقافة تنظيم وتقنين مثل هذا النوع من المشاريع من جهة ،و من جهة أخرى توفير الدعم المادي للراغبين في تحويل مقاهيهم إلى مقاهي أدبية أو لمن لديهم رغبة في فتح مقاهي ادبية جديدية ، لأن هذه الأخيرة تحتاج لتكاليف و إمكانيات مادية للتعريف بها و التسويق لصورتها عن طريق الاشهار عبر الملصقات و الدعوات او الانترنيت ،حتى لا يعول المقهى على رواده بل و ينفتح على زبناء جدد وكذا توضيح و إبراز كيفية تنظيم التظاهرات الثقافية و القيام بعمليات تحسيسة لتوعية أصحاب المقاهي بأهمية ودور جعل المقهى فضاءا للثقافة و الفادة التي سيدرها على المدينة وانها ستخلق ارباحا اضافية عبر اتقطاب زبناء جدد
شفيق الزكاري رئيس فرع اتحاد كتاب المغرب بالمحمدية