في السنوات الخمس الأخيرة تغيرت كثير من الحقائق على الأرض، فأولا، كان قطع العلاقة قبل اندلاع رياح الربيع العربي، و اليوم تتضارب تحليلات الباحثين في توصيف الحالة الراهنة التي عليها الوضع العربي، فمن قائل إننا نعيش مرحلة الخريف العربي، بمعنى استنفاذ طاقة الزخم الثوري بعد أكثر من 3 سنوات من الثورة المضادة الخفية التي أطاحت بأعظم ثورة ربيعية هي الثورة المصرية، و تُعرقل بشدة اليوم الثورة التونسية و اليمنية و الليبية. دون ذكر الثورة السورية التي أنهكها النظام السوري و حلفاؤه عسكريا،على رأسهم إيران. و آخر يبشر بهبوب رياح موجة ثورية ثانية، و ربما ثالثة،معتبرين ما حدث – خصوصا في مصر و تونس- لم يكن سوى انتفاضة بسيطة طالما أنها لم تأت على أركان النظام الأساسية، مثل الداخلية و الدفاع- و هما النواة الصلبة لأي نظام- و الإعلام، و القضاء.
قد يعتبر البعض أن تغيرا جذريا قد وقع في إيران بانتهاء المرحلة الناجادية الثورية و مجيء حسن روحاني المتميز بالهدوء، و البراجماتية، و دليلهم أن العلاقة الإيرانية الغربية عرفت انفراجا بمجرد مجيء روحاني. و لكن المطلعين على حقيقة إيران يعلمون أن لإيران عدة أذرع تستخدمها بالتناوب طبقا لكل مرحلة أو قضية. فتبادل الأدوارهو أهم ما يميز السياسة الخارجية الإيرانية. فهناك ذراع الحرس الثوري الذي أصبح عبارة عن دولة داخل دولة، يتبع له عدة ألوية و تنظيمات تنشط داخليا و خارجيا، مثل قوات الباسيج و فيلق القدس، و مؤسسة الجهاد و البناء، و مؤسسة الشهيد و غيرها كثير تنتشر على طول إيران و عرضها في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية و المخابراتية. و يضم جهاز الرس الثوري 126 ألف مقاتل منتظم و 300 ألف من قوات احتياط، و هو المسيطر الفعلي على القوة البرية و البحرية و الجوية، و تحت يده تقع كل أسلحة إيران.
و هناك مجلس تشخيص مصلحة النظام والسلطة القضائية، و هناك مجلس الخبراء، و هناك مجلس الشورى، و هناك وزارة الأمن القومي و الاستخبارات، و هناك وزارة الخارجية إلخ. نظام إيران يتكلم بكل هذه الألسن، و أقواها طبعا هي مؤسسة الحرس الثوري التابعة مباشرة للمرشد الأعلى و القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية. و مسؤولوها الكبار يعينون مباشرة من طرف الولي الفقيه. دون الرجوع إلى مجلس الشورى الممتلئ أصلا بالموالين للمرشد الأعلى.
و الفلسفة التي قام عليها الحرس الثوري هو حراسة الثورة الإسلامية داخليا و خارجيا، حيث تم تكوين هذا الجيش من الشباب العقائديين ، كثير منهم من شباب الحوزات و الحسينيات و دسهم في كل المؤسسات العسكرية ليكونوا جيشا موازيا يضمن انصياع من تبقى من الجيش النظامي على عهد الشاه لأوامر الولي الفقيه. ثم تطورت مؤسسة الحرس الثوري لتصبح مهمتها الدفاع عن مصالح الجمهورية الإسلامية في العالم أجمع. و لأجل ذلك تم أنشاء فرع "فيلق القدس" حيث أعطت إيران لنفسها الحق في التدخل في الدول الأخرى بشتى الطرق الخفية من أجل تحقيق منظورها في الدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية. فالتدخل السافر لهذه القوات في العراق و سوريا و لبنان و اليمن يندرج في إطار هذا المفهوم العقائدي الأمني لإيران. و بالتالي فالعلاقة مع إيران ليس علاقة مع أية دولة أخرى.
فالحرس الثوري الذي هو أقوى ذراع لدولة إيران يتطلع إلى أن يكون قوات تدخل سريع لجمهورية إيران بواسطة فروع أنشأها و منها فيلق القدس، هذا ما عبر عنه رئيس هذا الجهاز السابق "احمد وحيدي" المتورط في اغتيال عدد من المعارضين الإيرانيين في العالم، و المطلوب من طرف شرطة الإنتربول .إذ صرح عند توليه رئاسة هذا الفيلق أن الغرض من تشكيل هذه القوة هو خلق «الجيش الاسلامي الدولي» وفي عام (1997) تغير(وحيدي) وجاء عميد الحرس الجنرال قاسم سليماني وهو من اقدم قادة هذا الفيلق وأكثرهم إجراما و دموية. حيث قضى على يده عشرات الآلاف من العراقيين إبان الغزو الأمريكي للعراق، و اليوم يقتل الآلاف من السوريين على يد عصابات تابعة له. كما أن يده لم تكن بعيدة عن اغتيال مجموعة من الشخصيات الوازنة في لبنان، مثل رفيق الحريري و وسام الحسن و أخيرا و ليس آخرا اغتيال مستشار الحريري محمد شطح.!
فإيران و بعد أن تورطت حتى العنق في المستنقع السوري، و بعد أن خسرت التأييد الشعبي بشكل شبه كلي في العالم العربي و الإسلامي، بسبب الجرائم الفظيعة التي تورطت فيها ضد الغالبية السنية ، و بسبب مواقفها الحربائية من الربيع العربي الذي بدأته متحمسة و مباركة لتنقلب عليه دون مقدمات و تصبح مروجة لنظرية المؤامرة واصفة قادته بالعمالة بمجرد أن وصلت تباشير تلك الرياح إلى سوريا. فهي اليوم تحاول أن تنتهج سياسة المهادنة، و امتصاص النقمة المتصاعدة عليها. لكن المطلع على طبيعة و عقيدة نظام الملالي في إيران يدرك أن في إيران مؤسسات صلبة هي مَن تحدد السياسة الحقيقية لإيران، و أقواها مؤسسة ولاية الفقيه و الحرس الثوري. و بالتالي فلا وزن حقيقي للرئاسة الإيرانية، و لا ما يجري على ألسنة وزراء خارجية إيران. و قد رأينا كيف أن الخلاف الذي ضج بين أحمدي نجاد و علي خامنئي قد انتهى باستسلام نجاد لسلطة الولي الفقيه الغامرة.و نجاته بأعجوبة من سطوة نقمته.
فعلى المسؤولين المغاربة ألا يثقوا بتعهد بعض المسؤولين الإيرانيين بعدم التدخل في الشؤون الدينية و الداخلية للمغرب، فإيران دولة عقائدية طائفية بامتياز ، ينص دستورها الذي أنشئ على عهد الخميني في المادة 12 حرفيا على أن "المذهب الجعفري الأثنا عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير". و إيران أيضا دولة مخبراتية بامتياز، فهي تعتمد في الوصول إلى أهدافها أساليب خفية و ملتوية،مثلها مثل إسرائيل. تسلك قنوات ماكرة مستغلة مناطق الضعف لدى من تستهدفهم. و بالنسبة للمغرب فقد استهدفت أمنه الروحي من خلال أبنائه المهاجرين في الدول الأوروبية حيث تنعدم تقريبا المراقبة المغربية، و حيث تضعف المناعة الدينية و الحضارية بالنظر للهشاشة الثقافية لأبناء الجالية المغربية، و ضعف تكوينهم الديني و الوطني. حيث استطاعت إيران أن تستميل إلى عقيدتها مجموعة من المهاجرين المغاربة و أبنائهم، خصوصا في بلجيكا، و استطاعت شراء بعض الذمم و تجنيدهم لنشر التشيع الرافضي سواء بين أبناء الجالية المغربية في بلجيكا و هولاندا و فرنسا أو في المغرب. فمعلوم لدى الجميع اليوم أن من تشيعوا في المغرب أغلبهم له ارتباطات بعناصر تقيم في أوروبا - خصوصا بلجيكا. و هناك عدد من المهاجرين ا المتشيعين، و المرتبطين بمرشد إيران من يَفد إلى المغرب بشكل دوري و يلتقي سرا بالعناصر المتشيعة و ينقل إليهم التعليمات و التوجيهات الإيرانية، كما ينقل بعضهم بعض المبالغ المالية لشراء مزيد من الذمم. هذه الجهود المخادعة لم تزل جارية إلى اليوم. و في هذا الإطار يجب فهم استماتة متشيعي طنجة الحصول على ترخيص للعمل ضمن جمعية معترف بها، لأن هذا المنحى هو الذي سلكته إيران في بعض الدول العربية مثل سوريا و مصر، و كان من بين شروط إيران للرئيس مرسي كي تدعم الاقتصاد المصري هو أن يسمح بإنشاء جمعيات شيعية، و تولي إدارة و صيانة بعض المساجد الفاطمية الشيعية ، و إنشاء حزب للشيعة و جريدتين !!!
إن للمغرب حساباته و محاذيره و احتياطاته و مصالحه في قرار إعادة العلاقة مع إيران، لكن هذا لا يمنعنا من القول أن استئناف هذه العلاقة - و إن جاء في جو الانفراج الدولي الذي عرفتها علاقة إيران بالغرب إثر التوقيع الأولي على اتفاقية جنيف، و موافقة إيران على شروط غربية على رأسها أمن إسرائيل كما صرح كل من الروس و الأمريكان، إلا أنه بالنسبة للمغرب جاء في توقيت سيئ للغاية بالنظر إلى أن إيران متورطة اليوم أكثر من أي وقت مضى في الدم العربي قتلا و تعذيبا و تهجيرا في سوريا و العراق، و اليمن. فإذا كان من بين أسباب قطع المغرب لعلاقته بإيران هو تدخلها في شؤون دولة شقيقة هي البحرين، فإن إيران اليوم متورطة عسكرية على أرض شعب شقيق سالت دماء المغاربة في الدفاع عن أرضه في حرب أكتوبر73. فاستئناف العلاقة سيرسل بلا ريب رسائل خاطئة للقيادة الإيرانية المعادية، و هي أن ما تقوم به من احتلال و تهجير و تقتيل في سوريا لا يمنعها من مواصلة تحقيق مصالحها مع دول عربية أخرى. و هذا الأمر ليس له من معنى غير تهافت مصطلح التضامن العربي. كما سيرسل رسائل خاطئة أيضا للخلايا النائمة من المتشيعين و من يتواصل معهم من خارج البلد.
خطر زيادة نشاط تصدير التشيع:
لا ينتظر من إيران أن توقف سياستها في تصدير التشيع إلى الدول الأخرى، و بالتالي فلا ينتظر أن يتوقف المد الشيعي تجاه المغرب، و إعادة ربط العلاقة يشجع المتشيعين على تكثيف نشاطاتهم بين السذج من الناس لكسب مزيد من الأتباع، و معلوم بالتبعية أن أغلب من يتشيع – إن لم أقل كل من يتشيع - يفك ارتباطه بالولاء للوطن بعد أن يكون قد فك ارتباطه بالمذهب السني التي عليه بلده، و بالتالي يحول هذا الولاء تدينا و طائفيا إلى الولي الفقيه في إيران، و يمسي جنديا من جنود الولي الفقيه نائب ولي الزمان ! و حيث أن الهدف من تصدير الثورة عند إيران هو تهيئة الأرض لظهور المهدي الذي سيقضي في نظرهم على غير أتباع مذهبهم،و على العرب بصفة عامة كما جاء في كتب العقائد لديهم مثل كتاب الكافي و كتاب : من لا يحضره الفقيه. فإن كل من يرتبط ولائيا بالولي الفقيه يمسي في هذه الحالة خلية نائمة تنتظر الأوامر. فعلى المسؤولين أن يأخذوا العبرة بكل من شيعة البحرين و الحوثيين في اليمن، ففي البحرين يعتبر الشيعة من أغنى الطبقات فهم يسيطرون على تجارة الذهب و العقار، و مكنتهم البحرين من دور العبادة و حسينيات و حوزات و مع ذلك فإن بوصلتهم منجذبة أبدا نحو إيران، ورأينا كيف أن موجات التصعيد في الاضطرابات المستهدفة للإطاحة بالنظام كانت تترافق مع التصريحات المعادية لمملكة البحرين، و كان شيعة البحرين يغتبطون بكل تصريح إيراني يزعم تبعية البحرين لإيران مما يكشف حقيقة ولائهم. و خرجت مسيرات تحمل صور علي خامنئي و صور أحمدي نجاد.
و في اليمن أصبح الشيعة الحوثيون مرتبطين بإيران تعليما، و تمويلا، و تسليحا، و توجيها. و أمسوا اليوم ميليشيا إيرانية تابعة للحرس الثوري بامتياز، يتلقون الأسلحة المختلفة حتى الثقيلة منها - و التي تفرغها البواخر الإيرانية المموهة بناقلات النفط، تفرغها في قواربهم في عرض البحر، أو في موانئ يسيطرون عليها. كما يجب أخذ العبرة بالجزائر المجاورة التي لم يسبق أن تواجد فيها الشيعة، و اليوم تطالعنا مختلف الأخبار عن تواجد الشيعة في الجزائر، و يطالعنا الأستاذ أنور مالك المعارض الجزائري في كتابه المثير: الشيعة و التشيع في الجزائر أثبت فيه بالوثائق و الأدلة أن أغلب من تورط في المجازر ضد المدنيين خلال التسعينات كانوا شيعة مرتبطين بإيران، و أورد في الكتاب حوارا مع أحدهم و كان يعمل أميرا في ما يدعى بالجماعة الإسلامية المقاتلة أو "الجيا" و اعترف بأنه يقتل المدنيين لأنهم مرتدون ! و قال أنا على دين أهل البيت. و قال بأن الصحابة ارتدوا. بل إنه كفر أباه و أمه أيضا. و قد أصبح عملاء إيران من متشيعة الجزائر يجرؤون اليوم على عقد مآتم العزاء علنا، و ينشرونها في اليوتوب.
فإذا تأملنا في بشاعة المجازر التي حدثت في العراق ضد أهل السنة و التي تحدث اليوم في اليمن و سوريا و تلك التي حدثت في الجزائر ضد المدنيين سنجدها متشابهة.إنه الخطر الإيراني الداهم الذي لا يرقب في مسلم سني، و لا في دولة سنية إلا و ذمة.
فهل يعي المسؤولون المغاربة هذه المخاطر؟ و بالتالي يعملون على تجنيب هذه الأمة فتنا مستقبلية، تقوض أمنها الروحي، و تعبث بنسيجه الاجتماعي، و تخلخل وحدتها المذهبية الفريدة التي تميزت بها عبر القرون؟