ضرورة التخلص من الشوائب الفكرية : ولشحذ مهارة الصفاء الفكري لابد من التخلص من كل الأفكار واٍلآراء المسبقة التي تم حشوها في أدمغتنا خلال سيرورة التنشئة..
لاشك أنه مجهود مستمر و عمليات دؤوبة و متواصلة، خصوصا في الأوساط التي تخضع فيها عمليات التنشئة لمرجعيات دوغمائية مغلقة، ذات طابع ماضوي معاد لكل ما هو جديد وإبداعي. إنه مجهود مع الذات من خلال ترويضها على السؤال المستمر، وعدم الارتكان لسهولة التسليم بالمسلمات اليقينية، قبل رحلة البحث عن الحقيقة والاستمتاع بمعاناة البحث والاكتشاف، ومجهود مع آخرين ينصبون أنفسهم أوصياء عليك، بدون موجب حق، في سياق من الاستبداد الثقافي الذي ما فتيء يعيد إنتاج نفسه عبر المكان والزمان، وفق منظومة مغلقة قد لا تسمح بالاختلاف أو المساءلة خارج يقينياتها المهترئة .
ذلك أن حشو الأدمغة بكم من المعلومات، عبر سيرورة التربية والتعليم أو التنشئة أو حتى القراءات، بدون وجود حالة الصفاء الذهني الذي يقودنا للتحليل المناسب والتصفية المناسبة وكذا الاستثمار الأنسب قد لا يفضي لنتائج ذات قيمة، بل غالبا ما تتحول أدمغة هؤلاء إلى مجرد وعاء مملوء بحشو من المعطيات، قد تعوق سلاسة خطواته في الحياة.
تحرير العقول أصعب من تحرير الأوطان : ذلك أن تحرير العقول أصعب بكثير من تحرير الأراضي أو الأوطان، فالحرية تبدأ من حق الإنسان في “كينونته ” كما خلقها الله، ولعل أهم ما فيها عقله الذي من المفروض ان يتصرف فيه بكامل إرادته، اعتقادا وبحثا وتمحيصا وإبداعا وابتكارا، مما يتطلب مساءلة كل ذلك الحشو الذي تم سكبه في هذا الوعاء، كي يصل إلى حالة الصفاء الذهني التي تجعله يمارس تفكيره وحياته وإبداعه، بشكل أصيل يتماشى مع اختياراته الخاصة، وأيضا مع السنن الكونية التي لا تقبل عن الصفاء بديلا، وهذه العملية تشبه تخليص جهاز الكمبيوتر من الملفات الزائدة بين الحين والآخر، وحمايته من الفيروسات..
فتحرير عقولنا من الفيروسات المعرفية، أي من كل الباراديجمات اليقينية، رهان يستحق المخاطرة لكي يكون منفتحا على المعلومات الجديدة، خارج أية سياجات..
يبدو لي أن هذه العملية هي حجر الزاوية نحو ما يسميه البعض “ثورة ثقافية ” التي لن تتحقق بحشو كم هائل من المعلومات، ولكن بقدرة أدمغتنا على الاستقبال الجيد لهذه المعلومات وحسن استثمارها في اتجاه قيم تتناغم مع القوانين الكونية: قيم المحبة والخير والجمال التي تضمن تعايشا بين البشرية في سلم وسلام .