القائمة

الرأي

عيد الأضحى وإكراه العادات الاجتماعية

طقس ديني أم مناسبة اجتماعية  ؟   

عيد الأضحى :ملك الأعياد

 تسميه العادات الاجتماعية بالعيد لكبير ، أي أنه يحتل عرش الأعياد الكثيرة : الوطنية منها والدينية .....ويستنفر من أجله الكثير من المال والوقت والجهد ...

عدد كبير من المهاجرين سواء داخل الوطن أو خارجه يفضلون العودة لأهلهم تزامنا مع هذه المناسبة  .

وبهذا تفرغ المدن الكبرى من  جزء هام من ساكنتها  وتنشط حركة التنقلات نحو المدن الصغرى والبوادي  التي تنتعش بدورها في هكذا مناسبة . 

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

فرصة رواج اجتماعي وتجاري :

يشكل فرصة اجتماعية بامتياز لصلة الوصل بين الأقارب والأحباب ،الذين يجدون في ولائمه خيطا ناظما لعلاقات أسرية واجتماعية أكثر دفئا وتماسكا وسلاسة

حيث يعبر الكرم المغربي عن نفسه خارج هواجس الغلاء ،لأن أغلى شيء وهو اللحم متوفر ،فتكثر الدعوات واللقاءات بين الأهل والأحباب بشكل سلس  ...

وتستعرض فيه النساء مهاراتهن  في الطبخ وإعداد أشهى الأطباق ..

وهو أيضا  فرصة لرواج تجاري مميز لبعض القطاعات : أهمها النقل وطبعا تجارة المواشي وما قد تستلزمه  الولائم من أواني للطبخ ومن بهارات ومستلزمات غذائية ومعدات للذبح والشواء والغسل والتنظيف ,

وأيضا هو فرصة لرواج الملابس التقليدية التي يحرص المغاربة على لباسها أثناء أداء صلاة العيد واستقبال الضيوف بعد عملية الذبح أو غداة يوم العيد وأيضا لأطفال الميسورين منهم أما الفقراء فيحرص آباؤهم على أن يشرحوا لهم بأنه ليس عيدا للباس الجديد بل للأكل والاستمتاع بما لذ وطاب من الأطباق .ويكتفون بتهييء ألبسة العيد السابق لهذه المناسبة .

ويكتفي "الأطفال" بفرحهم بكبش العيد الذي يتباهون به مع أقرانهم ويشكل فرصة للتواصل مع "" الماشية "ولاكتشافها والاستمتاع  بالنظر إليها وسماع مأمأتها وتقليد هذه  الأصوات  بفرح طفولي بالغ بالنسبة لأبناء المدن الاسمنتية بالخصوص ,

والكثير من الآباء يبرر حرصه  على اقتناء كبش العيد بأي ثمن من أجل أبنائه الذين يجعلون من التطلع للأكباش الداخلة لأحيائهم  فرصة لشغب طفولي مفعم بالفرح والانطلاق .

العيد ما بين الواجب الديني والاجتماعي :

دينيا ،يشكل عيد الأضحى مجرد سنة مؤكدة تحولت إلى "واجب شبه مقدس " بحكم سلطة العادات والتقاليد

,نادر جدا من   ينسحب من ممارسة هذا الطقس الاجتماعي الذي يحيل على الوليمة والزردة والاسمتاع بألذ الأطباق مع الأحباب ,قبل أن يحيل على "الطقس الديني في دلالاته الروحية المتوخاة .

نادر جدا  من يعفي نفسه من تجشم عناء توفير المال اللازم  لاقتناء "كبش الأضحية " مهما كلفه الأمر من تضحيات،ولو ببيع بعض أثاث البيت أو باللجوء لقروض لا تخلو من ربا ونهى عنها الدين نفسه إذ لا إكراه في الدين ولايكلف الله نفسا إلا وسعها ,

الضغط الاجتماعي :

لا شك أن الله أرحم بكثير من مجتمع يجعل من المناسبات الاجتماعية فرصة "للتباهي"

واستعراض المكانة الاجتماعية  ,حيث تأخذ هكذا مناسبة طابعا شبه إكراهي ،بحكم ما يعتقد تداولا بأنه "واجب اجتماعي شبه مقدس .

تزداد الكلفة سنة عن أخرى مع ارتفاع الأسعار ويزداد ارتفاع الطلب مع ارتفاع عدد السكان وعدد الأسر  ,,,,,ومع ذلك لازال هناك تهافت على "كبش العيد" أو ما يوازيه من مواشي قد تختلف باختلاف القدرة المادية للأسرة وعدد أفرادها   ( عجل أو عنز مذكر كان أو مؤنثا. )

طقس  يغلب عليه طابع الضغط والإكراه  بمعناه الاجتماعي ،

 فقليل جدا من يسمح  لنفسه بالخروج من "الجماعة " تحت  الخوف من "سخرية الآخرين " أو احتقارهم حتى ، وانتقاداتهم المختلفة لأنه تحول إلى  فرصة للتباهي الاجتماعي حيث تتأكد المكانة الاجتماعية بحجم قرون كبش العيد " وبثمنه وأيضا بمستوى الأطباق المقدمة أثناء الولائم ما بين الأسر وا لأحباب ,

ومن الراجح جدا بأن فئات واسعة تمارس هذا الطقس الذي هو ديني في الأصل لأسباب اجتماعية محضة ولا تطبق معه التعليمات الدينية ومنها "ضرورة التصدق بثلثه "

علما أن الأغلبية الساحقة تذبح كبشها وقد لا يجد من يريد التصدق فعلا لمن يعطي اللحم في هكذا مناسبة ,

وأيضا تحرص النساء على تخزين فائض اللحوم في الثلاجات تحسبا للأيام القادمة ،فثمن اللحم جد غالي بالنسبة للأغلبية الساحقة فالكيلو منه يوازي "يوم عمل " بالنسبة للفئات العريضة التي تقتات في الغالب على الخضار والدجاج والقطنيات والرخيص من الفواكه

ولايشكل اللحم الأحمر إلا استثناء على موائدها .

لذلك يكون هذ "اٌلإقبال" المنقطع النظير على تطبيق هذا الطقس الديني فهو فرصة سنوية

.لتجاوز هذا الحرمان ، من خلال وليمة  اللحوم وخصوصا الشواء التي توفرها هكذا مناسبة

من سلبيات العيد :

ومن سلبيات هذا العيد في المدن بالخصوص هو ركامات الأزبال والدماء و مخلفات عمليات الذبح  وإيواء المواشي في أماكن لاتناسبها ,

وصباح يوم العيد ينشط شباب الحي في إعداد  مواقد من الخشب في زوايا الأزقة كي يزيلوا شعر الرؤوس والأرجل بالنار فيتصاعد الدخان  والروائح وقد تبقى المخلفات في الشوارع ,

فتتضرر البيئة المباشرة بكم الأزبال والروائح إذا لم تسارع البلديات إلى جمعها في أقرب الآجال أو يحرص السكان على تفاديها  من خلال بعض الإجراءات التحسبية ,

ثم إن أصحاب الشقق بالخصوص لايجدون المكان المناسب لإيوائها أو ذبحها ، ومنهم من يتركها عند صاحبها إلى ليلة الذبح ومنهم من يذبحها عند جزار ويأتي بها مجزأة .

من المؤكد بأن إجراءات الإيواءوالذبح والغسل والتنظيف تشكل ضغطا على بعض الفئات

التي لاتسمح لها ظروف السكن وحتى العمل بالقيام بذلك في شروط مناسبة ومريحة كما هو الأمر في البوادي وبالتالي قد نطرح التساؤل :

إلى أي حد يتوافق ذبح المواشي مع الشروط السكنية في المدن ؟؟

أليست السلطات مطالبة بإيجاد حلول مناسبة حماية للبيئة والشروط الصحية ؟؟؟

أوليس القيام بهكذا سنة مؤكدة  مع انعدام القدرة و تحت ضغط الإكراه الاجتماعي فقط  نوع من تعذيب الذات والانزلاق في متاهات سوء التدبير لإمكانيات قد لا تسمح والسقوط في متاهات الاقتراض ؟؟

أو ليس هذا الإقبال الجماعي المحموم على ذبح هذا الكم الهائل من المواشي مس بالاحتياطي الموجود من الثروة الحيوانية وإسهام في تعميق غلاء اللحوم  الحمراء طوال السنة ؟؟

ألا يتطلب الأمر إيجاد حلول وسطى كالدعوة للتشارك في كبش واحد من طرف عائلتين أو أكثر وهكذا نكون قد طبقنا هذا الطقس وحافظنا على الثروة الحيوانية وعلى ميزانية العيد من الأسر وقدرتها على تحقيق التوازن الغذائي طوال العام

يبدو لي بأن  فقهاء الدين مطالبون بتوسيع الشرح لهذه الفئات التي تتعذب من أجل اقتناء الكبش بأنها سنة حسب المقدرة ,

وكل عيد وأنتم طيبون وكرماء 

منبر

عائشة التاج
أستاذة وباحثة
كاتبة وباحثة
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال