والبريئات هن المناضلات اللواتي خلعن ثوب الأنوثة، وقصصن شعرهن عند حلاق رجال شعبي ليكن قريبات من هموم الشعب.. هن المتخاصمات مع أحمر الشفاه وكريمات التجميل والكعب العالي، اللواتي دخلن معترك السياسة بلا قيود في معصمهن، بلا خواتم وبلا عقد من اللؤلؤ..
السياسة شأن رجالي خالص، كي تكون المرأة أهلا لها وتنال صك الغفران من الزعيم، عليها أن تكون رجلا، وأن تتقمص دورها الذكوري ذهنا وشكلا.. ليس شرطا الكفاءة والنزاهة والتشبع بقيم الديمقراطية ومقاطعة صالونات البيع والشراء والمقايضة في أصوات الشعب؛ عليها أن تقاطع أولا صالونات التجميل كي تثبت حسن سيرتها النضالية؛ وبعد ذلك يمكنها التنظير في السياسة، والمطالبة بنظام ديمقراطي وبفصل حقيقي للسلط، والانتفاضة ضد الفساد، والدفاع عن الكادحين، والتعبير عن رأيها في الزعماء والأحزاب.
من حق الحسناوات أن يكن زعيمات سياسيات، لكن من الأفضل أن لا تكون لهن سوابق في اقتراف تسريحة في صالون حلاقة.. من حقهن اعتلاء منصات الخطابة بفستان أنيق، لكن لا يحق لهن التطاول على أصحاب الشوارب في السياسة بآرائهن وانتقاداتهن. فإذا كان شعرهن من حرير، عليهن أن لا يضربن الزعماء الكبار بالحجارة.
النساء مثل كائنات من بلور سهلة الخدش والتكسير، في كل معاركهن الحقوقية والسياسية والثقافية هن الخاسرات في حرب قذرة تستعمل فيها أسلحة الفحولة المتخيلة والاستبداد الذكوري المتوارث.. فبدل مواجهتهن بالحجة المقنعة والجدال الفكري والنقاش السياسي الهادئ، يلجأ خصومهن إلى شدهن من شعورهن، وإلى التلصص على ملفهن العاطفي أو النبش في سوابقهن التجميلية، وعدد زياراتهن التطبيعية لصالونات الحلاقة وحمام النساء، أو كشف ملفاتهن الملطخة بألوان صباغة الشعر وأقلام أحمر الشفاه.. لهذا على سيدات السياسة الجميلات أن يحرصن على أن لا يكون لهن رأي أو موقف أو قضية، كي لا ينشرن غسيل أناقتهن بالتفاصيل المملة، لتكتشف الجماهير خيانتهن الوطنية العظمى.
في شهوره الأولى، كرئيس حكومة بعد دستور المناصفة، كان عبد الاله بنكيران صادقا في التعبير عن ذهنيتنا الذكورية المكتظة بغبار الجاهلية في لاوعينا الجماعي، حين رد على سؤال لقناة “الجزيرة” وقال بتلقائيته المعروفة: “أنا جئت لأصلح شؤون دولة، ولم آت لأقوم بعمل النساء في الحمامات، حيث كل واحدة تجر شعر الأخرى”.. ولأن نصف جمال المرأة شعرها، فمن قاموس تصفيفه وتسريحاته الحديثة، اقتبست افتتاحية جريدة ناطقة باسم حزب يساري -ناضل شرفاءه من أجل قضايا المرأة- وصفا لاذعا وصادما للرد على رأي سياسي لزعيمة الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، حين وصفتها بأنها “تملك جزءا من ثقافة فنون الحلاقة، وأنها تقترح على الأحزاب، صالونات لتصفيف التسريحات..”. ولما أراد شيخ سلفي أن يعبر عن اختلافه مع المحتجين ضد العفو الملكي، وصفهم رجالا ونساء، ببساطة وبوضوح عار بـ”العاهرات”.
يبدو أن بلاغة القذف لا تتم ولا تكتمل صورها الجمالية إلا إذا فاحت بعطر نسائي وخُتِمت بتاء التأنيث.. وحدها زلات اللسان، القادرة على فضح فكرنا الذكوري وجاهليتنا الجِنْسانية.. ووحدهن النساء، حائط الزعماء القصير جدا، لإظهار البطولة ولاستعراض فحولتهم السياسية الوهمية.