أبـشر بصُـبـحـك هـذا الصبـحُ أنـوار   **    واهـنأ بليـلـك هــذا اللـيـل أقـمـارُ
واسأل شِغاف القلب عن طيفٍ تملّـَكه   **   هـل يملِـك المملوك رأياً و يخـتارُ
واسـأل ثنايا النفس عن شوقٍ يداعبها   **    ما سـرُّ هذا الشوق أم تلك أسرارُ
أسرار ذات جـمالٍ كالـورد مبْـسـمهـا   **    والورد في الروض تسقـيه أنهارُ
أسرار ذات بهاءٍ كالشمس طـلعـتـهـا   **    يــومٌ بـرفــقـتها تـفـديــه أعــمــارُ
تُبـدي لآلئ ثغــرٍ والشُّهــدُ منـطِــقُها   **    والرفقُ همستُها والصوتُ مزمـارُ
أعيَت محاسنُ ذات الحُسن واصفَـها    **    أنَّــى يُـعــدِّدهـا ســمــعٌ وأبـصـارُ
تأتـي الملـيحة يا بُـشرى بـمـقْـدمِـها    **    روحُ المحِبِّ لـهـا شـعــرٌ وأوتــار
تسعى جــوارحُه كَــتمَ الهوى عـبثـاً    **     فـينجـلي العـشقُ لا يُـثـنـيه إنـكـار
يغشى اللهـيبُ فؤاداً في جَوفِه مَـلَـكٌ    **    فاعجَبْ إذا صدحَــتْ بالجـنة النار
ترنو القوافي إلى ذكر اسمِها شـرفاً     **    أنعـِـمْ إذا سـعِدتْ بالساكنِ الــــدارُ

شهادة من الكاتبة منى هاشم :

هذا شعر قوي ومعانيه شفافة كالماء الزلال. لقد أنجزتُ أطروحة عن هذا النوع من الشعر في فرنسا والأندلس في القرون الوسطى  لذلك فأنا أعي ما أقول: إنه ينفذ للوجدان ويحترم التوازن بين الأسلوب والمضمون، وهو من الشعر الكلاسيكي العابر للأزمان الذي يربطنا بنفسنا وعمقنا ويتوخى الجمال كأحد تجليات المُطلق. إنها حقا أبيات كالموسيقى التي لا تحتاج لإيقاع حيث جمالها في جوهرها. وإذا كان ابن الصديق في كتاباته ومواقفه يسعى  لمقاومة الفساد السياسي والمالي فإنه هنا يقاوم أيضا الفساد الفكرى والرداءة الفنية ويأخذ بيد القارئ أو السامع لكي يرتقي ويتسامى عن الانحطاط الذي تريد السلطة أن تغرقنا فيه و يدعوه أيضا لعدم الاستسلام للسخافة والرداءة بل التطلع للجمال والتغني بالبهاء والتشبث بالأمل في قيم الحق والعدل والخير والجمال.