الآن لنفك أحجية العروس هذه، وسر عودة بنكيران إلى رأس حزب الأصالة والمعاصرة الأقرع، وضربه، لأن ضربه سهل، والدم سيسيل منه بسهولة.
العروس التي يقول بنكيران إن الناس هربوا منها يوم عرسها هي حزب الأصالة والمعاصرة، والمدعوون الذين فروا منها هم الناخبون، ووصفها بالذميمة والبئيسة عنوان عن طبيعة مشروع الحزب السياسي الذي قال بنكيران عنه، أكثر من مرة، إنه كان يهدد استقرار البلاد وسلامة العرش. مناسبة وسياق الحديث وأسباب النزول كلها تقول إن المقصود هو حزب الجرار ليس كمنتوج سياسي فقط، بل كمشروع لإدارة الحكم.
السؤال الآن: لماذا يرجع بنكيران إلى حزب الأصالة والمعاصرة كل مرة، ويشرع في فتح ملفاته واستخراج أوراقه السوداء ومخططاته التي كانت ترمي إلى إنشاء حزب للدولة يكتسح الساحة ويقص أجنحة الإسلاميين، على غرار ما حصل في تونس ومصر ودول أخرى؟ هذا الخطاب وهذا النقد كان له ما يبرره أيام كان المصباح وزعيمه في المعارضة والجرار في الحكم يحصد الأخضر واليابس، لكن بنكيران اليوم في الحكم، وحزبه فاز بضعف الأصوات التي حصل عليها الأصالة والمعاصرة، وهذا الأخير حاليا في المعارضة، وظاهريا لم تعد له أسنان وأظافر كما كانت في السابق، فما المبرر الذي يجعل رئيس الحكومة يرجع إلى حكاية «البام» كل مرة بعدما «شبع فيه نقدا وتقريعا وضربا وتشهيرا» طيلة الحملة الانتخابية الماضية؟ لا أملك جوابا عن هذا السؤال، ولم أسأل بنكيران عن سر هذا الرجوع إلى ملف «البام»، وحتى لو سألته فالراجح أنه لن يجيب بوضوح وصراحة عن هذا الموضوع، لهذا أعرض أمام القراء فرضيتين لحل هذه الأحجية، قد تعينان على الفهم، أما الحكم فأمره سهل.
الفرضية الأولى تقول إن بنكيران يحس بأن حزب الأصالة والمعاصرة وقادته والواقفين خلفه مازالوا يتحركون ضده وضد حكومته في مواقع مختلفة، وأن الحزب فشل انتخابيا أو اضطر إلى الرجوع إلى الوراء بعد أحداث 20 فبراير، لكن أذرعه في الإدارة والإعلام ومواقع أخرى، بعضها حساس جداً، مازالت تشتغل، وهي التي يسميها مرة التماسيح، وأخرى العفاريت، وثالثة «الحياحة». رئيس الحكومة يضغط على الجرح الذي يؤلم جناحا في السلطة يعتبره بنكيران الراعي الرسمي لحزب الأصالة والمعاصرة ومشروعه، وذلك لتخفيف الضغط عليه، وكسب مساحات للحركة في دائرة القرار.
الفرضية الثانية تقول إن بنكيران يعرف أن مشروع الأصالة والمعاصرة كحزب للدولة فشل، وأن الجرار لم يعد يقدم نفسه كبديل عن الأحزاب الحقيقية، بل أصبح يلعب دورا ينحصر في مضايقة حزب المصباح والحد من سرعته واستنزاف جزء من قوته حتى لا يهيمن على الساحة، وأن الجرار لم يعد بديلا، بل صار لاعبا كل طموحه ألا يسجل خصمه أهدافا كثيرة في مرماه، أما الفوز بالكأس أو البطولة فهذا خارج حساباته، على الأقل في هذه الظرفية. بنكيران يعرف هذا لكنه يريد خصما يعلق عليه فشله في إقرار إصلاحات كبرى لم يرها الناس إلى الآن. ومن أفضل من خصم مثل «البام»، الذي جرب بنكيران الحرب عليه ونجح أكثر من مرة. إذن، عوض أن يحاسب المناضلون أو عموم المواطنين رئيس الحكومة على حصيلته، فإنهم مدعوون إلى مساندته في حربه ضد «البام» لأن هذه العروس تطارد الناس بالعصا بعد أن فروا من الحفل، ومازالت تحاول إعادتهم إلى قاعة الأفراح بالخشونة. إذن، مركز الاهتمام الآن ليس الحكومة ولا حصيلتها ولا نهج إدارتها، بل عروس الجرار وعصاها، والمشهد المثير وهي تطارد المدعوين في الشوارع والأزقة.
أيا يكن الأمر فالسؤال الآن هو: هل هذه المنهجية البنكيرانية في إدارة شؤون الحكم ومواجهة الصعوبات ومراكز النفوذ تقربنا من المنهجية الديمقراطية أم تبعدنا أكثر عن بر الأمان، وتدخلنا إلى حفل تنكري لا يعرف حقيقته سوى أصحاب الحفل، أما المدعوون والمتفرجون فلا يرون إلا الأقنعة؟ مرة أخرى، ليس المهم هو الحكم المهم هو الفهم، الآن على الأقل.