الزهايمر متاهة بدايتها النسيان
"بنتو جات تسلم عليه قال ليها شكون أنت وولدو عيط ليه شفار في الزنقة" تقول لطيفة واصفة أولى علامات مرض الزوج، الذي كان في ما مضى مهندسا معماريا "مرموقا".و الذي ما فتئت تعرضه على أخصائيين عقليين أجمعوا على جواب واحد: لاعلاج لهذا المرض.
مرض الزهايمر يتجاوز النسيان إلى مظاهر أصعب و أخطر يصبح معها المريض شارد الذهن لساعات طويلة، وفاقدا للإحساس بالحيز المكاني الذي يتواجد به ،ولا يمز حتى بين الليل و النهار"الآن أضع له الحفاضات وقد كان في ما مضى يتبول في المطبخ ،في غرفة الضيافة،فوق اللأثات، و قد حدث مرة أن تبول على ابنته وهي فوق فراش نومها..في أحايين كثيرة أجده يصلي داخل المرحاض...عندما يشعر بالجوع لا يفصح عن ذلك،وعندما يأكل لا يتوقف حتى أزيل عنه الصحن فهو يجهل معنى التخمة كما يجهل تماما معنى الجوع".تحكي لطيفة بنبرة خافتة وجافة وعينان ضيقتان محمرتان و يدين ترتعشان.
"الزهايمر مرض عضوي يصيب الباحة المرتبطة بالذاكرة ومن أول تمظهراته النسيان.تتدهور الخلايا الدماغية بشكل كبير الأمر الذي يجعل المريض عاجزا عن الكلام والحركة" تقول خولة مسؤولة التواصل في الجمعية المغربية للزهايمر و الأمراض المرتبطة.
ينضاف إلى كل هذا، أعراض كالخرف، الخوف من الناس والمرآة، الارتباط بذكريات الطفولة ،التي تجعل المريض يعيش في عالمه الخاص ،ويصبح التواصل معه أمرا مستحيلا،الأمر الذي يزيد من محنة أسرهم،فيقبعون في طريق مسدود بوصلتهم الوحيدة هي التحلي بالصبر.
المريض بالزهايمر و مرافقه في خندق واحد
خلال الساعتين اللذين رافقت فيهما لطيفة أثناء انجازي جزء من هذا الروبورطاج داخل بيتها قامت بالتأكد من إقفالها للباب البيت لأزيد من عشر مرات ، بالرغم من أنها أقفلته بإحكام عند دخولي و في كل مرة تخطف النظر إلى الغرفة المجاورة لتتأكد من أن زوجها المستلقي فوق الأريكة على ما يرام.من يشاهدها على هذا الحال يظن أنها مصابة ب "الخوف المرضي".
"أحس أني مسجونة في عكاشة " بهذه العبارة تلخص لطيفة حال مرافق مريض الزهايمر،الذي يجد نفسه مضطرا لمراقبة المريض أناء الليل و طيلة النهار خوفا من هروبه أو قيامه بفعل يعرض حياته للخطر "حدث مرة أن فر زوجي في غفلة مني، و بقيت أبحث عنه ساعات طوال، حتى تمكنت الشرطة من إيجاده، ومرة حاول القفز من النافذة ومرة أخرى هرب من المستشفى ولم يمض على اجرائه لعملية جراحية سوى أربع وعشرين ساعة" تتحدث لطيفة عن حال زوجها ذو الثمانين سنة عاش خمس منها في دوامة الزهايمر.
المعاناة مع مرض الزهايمر تتجاوز المريض لتطال أسرته ،فتفرض عليهم لعب دور حراس السجن وعلى المريض دور السجين،سجين لكنه يعامل كالطفل أو بالأحرى كالرضيع الذي يعتمد على والدته في كل شيء.
محنة المرافق لا تتوقف عند علاقته مع المريض بل تتعداها إلى علاقته مع المجتمع الذي تغيب لدى عدد من أفراده ثقافة حول هذا المرض "يحز في نفسي عندما أسمع الجيران يوصنني بزوجي(تهلاي في راجلك)،ولا أحد يفكر في محنتي ،فمنذ أن مرض زوجي وأنا مصابة بداء السكري "تحكي لطيفة وهي تتنهد مرة تلو الأخرى ،وكأنها تلقي بعبء جاثم على صدرها.
صمتت هنيهة،وقد تكالب عليها مرض الزوج و ظلم المجتمع و أردفت"تعرضت لأسوء موقف في حياتي عندما أخدت زوجي لأداء الصلاة بمسجد و عندما خرج كل المصلين باستثنائه بقيت أبحث عنه فتقرب مني رجل وقال أنا هو من تبحثين عنه".
هذه المأساة تعيشها أزيد من 100 ألف أسرة مغربية ،و الرقم مرشح للارتفاع إلى 524 ألف بحلول سنة 2050 حسب تقديرات الجامعة الدولية للزهايمر.
بين مطرقة غياب سند الدولة وسندان غلاء الأدوية
إلى حدود اليوم ليس هناك علاج جذري لمرض الزهايمر ، وتبقى الأدوية التي تخفف منه و من الأعراض المرتبطة به جد باهظة "يكلفني مرض زوجي 3500 درهم شهريا في حين لاتتجاوز التعويضات الخاصة بالتقاعد 1520 درهم..لكن الحمد لله فبفضل أبنائي الذين يشتغلون يحصل زوجي على الدواء ولاينقصه أي شيء" تقول لطيفة بلهجة شديدة ،وهي ساخطة على غياب دعم حقيقيي للدولة ،بالرغم من أن هذه الأخيرة وضعت مرض "الزهايمر ضمن "أولويات الصحة العمومية". اللهم بعض الجمعيات التي تقدم مساعدات نفسية ،وتلقن للمرافقين أساليب التعامل مع المرضى "نقوم ببعض الأنشطة الترفيهية لفائدة أفراد أسر المرضى لأنهم أيضا لهم الحق في الحياة خارج سجن المرض وتوثر الأعصاب و الاكتئاب اليومي" تقول خولة مسؤولة التواصل بالجمعية المغربية للزهايمر و الأمراض المرتبطة .
و من جانب أخر يشكل غياب مراكز استقبال عمومية ،و أطر طبية متخصصة في هذا المجال تحديا أمام المسؤولين ،"أصبح لزاما تكوين أطباء مختصين ،وإدماج فصول تخص صحة الأشخاص المسنين في جامعات الطب،وكذا توفير الظروف الاستشفائية الملائمة لمرضى الزهايمر" تقول سمية الراشدي من مصلحة الأمراض النفسية و المنتكسة التابعة لمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض.
في غياب مراكز طبية عمومية تتكفل بمرضى الزهايمر و في غياب مرافقين متخصصين ومتمرسين لرعاية هذه الفئة يبقى المنزل هو الملاذ الوحيد لهم .