القائمة

أخبار

دياسبو #398: سارة المسعودي.. صوت يُعيد الحياة لتراث الهجرة بين المغرب وبلجيكا

تحرص سارة المسعودي على الاحتفاء بهويتها المزدوجة، وتعمل على إبراز أصوات التنوع في المشهد البلجيكي. من خلال توثيق قصص الهجرة، سواء تلك التي تنتمي إلى الأجيال السابقة أو التي تعيشها الأجيال الحالية، تسعى إلى إعادة رسم ملامح هذا التاريخ المنسي. بهذا الجهد، تساهم الصحفية البلجيكية المغربية في تقديم رؤية جديدة للتنقلات البشرية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تاريخ بلجيكا والمغرب على حد سواء.

نشر مدة القراءة: 7'
سارة المسعودي تتدخل في المفوضية الأوروبية حول مسؤوليات وسائل الإعلام في تطوير وتعزيز الخطابات المعادية للإسلام.

وُلدت سارة المسعودي في بروكسل ونشأت في كنف أسرة متعددة الثقافات، برفقة شقيقها وشقيقتها. خلال سنوات دراستها الابتدائية، كانت غالبًا الطالبة الوحيدة ذات الخلفية المتنوعة في قسمها. والدتها، وهي ممرضة بلجيكية، ووالدها، مصمم داخلي ينحدر من بويافر قرب الناظور، أوليا اهتماما كبيرا بتعليم أبنائهما ومتابعة مسارهم الدراسي عن قرب. تتحدث سارة بفخر عن تلك المرحلة، مؤكدة أنها كانت دائما "الأولى في الصف".

وقالت خلالحديثها مع يابلادي "كنت محظوظة بوجود أم تملك الأدوات اللازمة لمساعدتنا في واجباتنا المدرسية وأدرك تمامًا أن هذا ليس متاحا للجميع، لكن هذا الدعم كان حاسما في حفاظي على نتائج جيدة".

تنقّلت سارة بين عدد من مدن بروكسل، مثل إيفير، مولينبيك وسخاربيك، حيث اكتشفت تنوعا أكبر في المرحلة الثانوية. في تلك الفترة، بدأت تفكر جديا في مستقبلها المهني، مدفوعة بشغفها بالقراءة والكتب. وأوضحت قائلة "بفضل والدتي، التي كانت تملأ البيت بالكتب، طورت حبّي للقراءة. أما والدي، فكان يعلّمني فن الخط على لوحة بالمنزل. لطالما أحببت الكتابة وسرد القصص".

بين الشغف والهوية

تجسّد سارة المسعودي نموذجا لجيل شاب طموح يدرك الواقع ويواجهه بوعي.و تحكي قائلة "كنت أعلم أن انتظار فرصة لأن أصبح كاتبة قد يطول، لذلك بحثت عن مهنة تجمع بين الشغف والاستقرار، ووجدت ضالتي في الصحافة". تستمد سارة شغفها بالسرد من خلفيتها المتعددة ومن محيطها العائلي والثقافي، ومن مدينة بروكسل نفسها، التي تعكس فسيفساء التنوع البلجيكي.

سارة المسعودي / تصوير حكيم فيجنسارة المسعودي / تصوير حكيم فيجن

تنحدر سارة المسعودي من خلفية عائلية متعددة الجذور، والدتها "بلجيكية خالصة، أما من جهة والدي، فجدي قدم من المغرب إلى بلجيكا خلال ستينيات القرن الماضي في إطار اتفاق للهجرة العمالية بين البلدين. وبعد فترة، التحق به والدي وجدتي عبر برنامج لمّ شمل الأسرة. أجدادي كانوا جزءا من الطبقة العاملة آنذاك". وأضافت "كلٌّ منا يأتي من مكان ما، ومن المهم أن نعرف ذلك، لفهم تاريخنا والاعتزاز به، لا للخجل منه".

في سن الثالثة عشرة، بدأت سارة ترسم ملامح حلمها المهني. ولجت عالم الصحافة من بوابة الكتابة، ثم تابعت دراستها الجامعية في مجال الاتصال، قبل أن تحصل على ماجستير في الصحافة من الجامعة الحرة في بروكسل (ULB). انطلقت مسيرتها المهنية في هيئة تحرير صحيفة "لا ديرنيير أور" (DH)، ثم التحقت بفريق إعداد التقارير لنشرة الأخبار في قناة RTBF البلجيكية.

اليوم، سارة المسعودي ليست فقط صحفية ومدرّبة وأستاذة محاضِرة، بل أيضا منتجة ومخرجة بودكاست، ومبتكرة مشاريع ذات تأثير اجتماعي. بفضل خبرتها في مجالي التنوع والشمول والتعليم الإعلامي (EMI)، تسعى إلى الدفع نحو إعلام أكثر تمثيلية وانفتاحا، انطلاقا من ملاحظاتها وتجربتها في الميدان.

وتحكي سارةأن صدمتها الأولى كانت اكتشاف غياب التنوع الذي تعرفه شوارع بروكسل في وسائل الإعلام، خصوصا على شاشات التلفزيون، التي تفتقر ـ بحسبها ـ إلى التعددية الحقيقية: "لم أكن أرى أشخاصا يشبهونني. عدد النساء كان قليلا، والنساء من أصول متنوعة شبه غائبات. بل إن من تظهر منهن، تبدو وكأنها تعتذر عن وجودها".

قصص خارج القوالب النمطية

بدلا من حصر التنوع في تقارير مختزلة مدتها دقيقة ونصف، اختارت سارة أن تعالج القضايا من زوايا أعمق. تطمح إلى تسليط الضوء على شخصيات متنوعة وتقديم محتوى صحافي يتجاوز النظرة السطحية للمواضيع المرتبطة بالهجرة أو التنوع. لهذا، تكتب ضمن فريق "Les Grenades"، المنصة التابعة لـRTBF التي تغطي الأخبار من منظور النوع الاجتماعي، محاولة المساهمة في إرساء سرديات أكثر عدلا وشمولية.

صورة عائلية مع فريق الضيوف - تراثنا / تصوير نرجس فوتوغرافيصورة عائلية مع فريق الضيوف - تراثنا / تصوير نرجس فوتوغرافي

في سعيها للعثور على صيغ ملائمة لرواية قصص التنوعات التي تشكل الفسيفساء الاجتماعية والثقافية في بروكسل، أطلقت سارة المسعودي سلسلة من البودكاست بعنوان: «تراثنا». الهدف هو "إعطاء صوت لجميع التنوعات في بلجيكا" وليس فقط لمجتمعها الثنائي الجنسية. الفكرة هي نقل هذه القصص بأمانة، سواء كانت تتحدث عن نجاح، صمود، مسار مجزأ أو تجربة صعبة. في النهاية، يتعلق الأمر بمنح هذه التجارب الإضاءة التي تستحقها في الفضاء الإعلامي.

"مع مرور الوقت، ندرك أننا كثيرون ولكننا لا نعرف قصص أهلنا، مساراتهم الهجرتية"، تشرح سارة المسعودي. أكثر من مجرد إنتاج صوتي، تنطلق مبادرتها من حاجة ملحة، وهي اللحاق بالوقت الذي يمضي والذي يمحو القصص غير الموثقة للمهاجرين الأوائل.

"الأجداد توفوا والجيل الأول من الهجرة في طريقه للزوال. ماذا تبقى من ذلك وبالتالي منا؟ هناك حاجة ملحة لسرد القصص واستعادة هذه القصص، في صيغ طويلة لا تكون مقيدة أو تحد من الوقت والمكان للأشخاص المعنيين."

سارة المسعودي

بالنسبة لسارة المسعودي، يتعلق الأمر بتمكين الأشخاص المعنيين من الشعور بالشرعية لمناقشة مواضيع مختلفة، تتجاوز العلامات الثقافية أو الدينية. "قبل المقابلة، أتبادل الحوار مع الأشخاص الذين سأجري معهم المقابلة لاختيار القصة التي نود التحدث عنها. إنه في الوقت نفسه عملية نقل واستعادة"، تشرح لنا.

لهذا السبب، يذهب العمل الصحفي لسارة المسعودي جنبا إلى جنب مع التزامها التطوعي، كرئيسة مشاريع. في جمعية التنوع والشمول في الإعلام (ADIM)، تسعى إلى تعزيز تكافؤ الفرص والتمثيل الشامل في مجال عملها.

جولة إرشادية 'سرد وتفكيك استعمار 60 عامًا من الحياة البلجيكية المغربية' / تصوير سلمى الغابريجولة إرشادية 'سرد وتفكيك استعمار 60 عامًا من الحياة البلجيكية المغربية' / تصوير سلمى الغابري

بهذا الصدد، تنظم الصحفية جلسات عمل، وشبكات وتبادل الخبرات بين الزميلات، "لتمكين النساء من الانضمام إلى المهنة أولا، ثم الاستقرار فيها، وهو التحدي كله عندما يكون مجالنا لا يزال محفوفا بالعنصرية والتمييز الجنسي، سواء في التحرير أو من خلال العنف السيبراني، دون نسيان تدهور المهنة". بمعنى آخر، يتعلق الأمر بـ"خلق مساحة آمنة تسمح للمهنيات بالتبادل بحرية، التفكير وفهم المشكلات النظامية للمهنة".

القصص العائلية، "خريطة الشمس" التذكارية

بعيدا عن تحرير الكلمة والذاكرة الصوتية المخلدة، تلتزم سارة المسعودي بنشاط في نهج توحيدي، متجذر في الفضاء العام والمشاركة الجماعية. في هذا الإطار، تبادر بتنظيم فعاليات حول مبادراتها والبودكاست، "لخلق لقاءات انطلاقا من هذه القصص وتقدير ثقافاتنا".

بمناسبة مرور ستين عاما على اتفاقيات الهجرة العمالية بين المغرب وبلجيكا، خصصت الصحفية أحد أعمالها الكبيرة للذاكرة المشتركة بين الضفتين، التي يرويها أبطالها.

"لقد حالفني الحظ في إنجاز عمل كامل حول المجتمع البلجيكي المغربي، مع أيضا حدث جمع أكثر من 200 شخص في بروكسل. تمكنا من العودة إلى ذكرياتنا وذكريات الأجداد، بحضور خاص لمحمدي بن يدر، المؤلف المغربي الجزائري لما يسمى 'خريطة الشمس'."

سارة المسعودي

تكتسي هذه الخريطة أهمية كبيرة للعائلات البلجيكية المغربية. توضح لنا سارة المسعودي: "في ذلك الوقت، لم يكن لدى الأهالي أجهزة GPS لتوجيههم في طريقهم إلى المغرب، حيث كانوا يقضون العطلات الصيفية. الكثير ممن كانوا يسافرون بالسيارة حتى إسبانيا كانوا يضيعون أحيانا. لتجنب ذلك، أنتج محمدي بن يدر خريطة في 400 نسخة، تم توزيعها في المتاجر التي يرتادها المجتمع. هكذا ولدت 'خريطة الشمس'. كان هذا التكريم في بروكسل مؤثرا جدا بالنسبة لنا جميعًا.»

بعد هذا النجاح، دُعيت سارة المسعودي لتقديم المبادرة في جولة إرشادية في بروكسل. "لم أكن أعتقد أبدا أنني سأتمكن من القيام بذلك يوما ما! تم إنشاء الجولة حول مقتطفات من جميع الحلقات مع  البلجيكيين المغاربة، بالعودة إلى السياق السياسي لتوقيع اتفاقية الهجرة العمالية، والظروف الاجتماعية والاقتصادية للعائلات التي جاءت في ذلك الوقت، وأيضا تعبئتهم وتنظيمهم في مواجهة العنصرية"، تقول لنا.

كانت هذه أيضا فرصة للصحفية للعودة إلى المراجع التاريخية السابقة، بدءا من الماضي الاستعماري، بما يتصل بـ"ما يحدث اليوم، بين الفاشية المتزايدة في المجتمع، تصاعد العداء تجاه المهاجرين، الإسلاموفوبيا والعنف الشرطي، ثم ما الذي يجعلنا نشعر بأننا في وطننا، في بلجيكا".

من خلال هذه القصص، "يكتشف الناس واحدة من أهم المجتمعات في البلاد، في عمل ذاكرة متجذر في الماضي، الحاضر والمستقبل". وأنهت حديثها قائلة "هذا يبعث الراحة في نفوس الأجداد الذين يجدون فيها قصصهم، وللشباب الذين يكتشفونها ربما لأول مرة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال