القائمة

أخبار

الربعة المغربية.. قرآن خطه سلطان مغربي بحبر من الزعفران والمسك وأهداه للمسجد للأقصى

في عام 1344، أهدى السلطان أبو الحسن علي بن عثمان نسخة فاخرة ومزخرفة من المصحف الشريف، تُعرف باسم "الربعة المغربية"، إلى المسجد الأقصى، لتكون واحدة من بين خمس نسخ مقدسة خصّ بها مواقع إسلامية بارزة. ولا يزال 24 مجلدا فقط من أصل 30 محفوظا حتى اليوم، وتُظهر هذه الربعة جمال الخط المغربي ودقة الزخرفة التي تعكس عمق الرمزية الروحية والفنية.

 
 
نشر
الرّبع المغربي بخط يد السلطان المغربي أبو الحسن المريني. / تصوير: الجزيرة
مدة القراءة: 3'

قبل نحو سبعة قرون، أهدى السلطان المريني أبو الحسن علي بن عثمان نسخة فريدة من المصحف الشريف، كتبها بنفسه، إلى المسجد الأقصى. تُعرف هذه المخطوطة اليوم بـ"الربعة المغربية"، وتُعرض حاليا في المتحف الإسلامي داخل باحات الأقصى، شاهدة على علاقة تاريخية عميقة بين المغرب والقدس.

هذه الربعة، التي تعد واحدة من خمس نسخ خطية نفيسة، أنجزها السلطان أبو الحسن بنفسه وزيّنها بعناية، ووزّعها على أبرز الأماكن المقدسة في العالم الإسلامي. نُقلت النسخة الأولى إلى مدينة شالة، والثانية إلى المسجد النبوي الشريف، والثالثة إلى المسجد الحرام بمكة، بينما وصلت الرابعة إلى المسجد الأقصى عام 1344. أما النسخة الخامسة، فبدأ السلطان في إعدادها خصيصا للمسجد الإبراهيمي في الخليل، ويرجّح أن أبناءه، السلطان أبو عنان فارس والسلطان أبو فارس عبد العزيز الأول، قد أكملاها لاحقا.

الربعة المغربية. / Ph. Aljazeeraالربعة المغربية. / Ph. Aljazeera

مخطوطة صمدت أمام الزمن

من بين المصاحف الخمسة، كانت ربعة الأقصى الوحيدة التي نجت من التلف والسرقة، وظلت محفوظة على مر القرون. وتوجد حاليا داخل صندوق خشبي فاخر، تحت رقم الجرد 0152، وفقا لدراسة فلسطينية تناولت خصائصها الفنية والزخرفية.

تتكون الربعة المغربية من ثلاثين جزءا كُتبت بالخط المغربي المعروف بـ"القيْرواني"، المتفرع من الخط الكوفي. غير أن الزمن لم يُبقِ منها سوى 24 جزءا، بعد فقدان الأجزاء 5 و10 و16 و18 و26 منذ حوالي قرنين. وقد استُبدلت هذه الأجزاء لاحقا بنسخ خطّها الحاج مبارك بن عبد الرحمن المشوانشي المالكي عام 1806، مع وضع اسمه في حواشي الصفحات المستبدلة. أما الجزء الثلاثون، والذي يتضمن أقصر السور، فقد سُرق من المتحف بين عامي 1931 و1932.

Ph. AljazeeraPh. Aljazeera

المخطوطة موثقة كوقف شرعي للمسجد الأقصى، بموجب وثيقة رسمية محفوظة في أرشيف محكمة الشريعة بالقدس، ويختم كل جزء منها بنص وقفي مؤلف من سبعة أسطر، مكتوب بالخط الكوفي الذهبي ومحاط بإطار زخرفي فاخر.

وتشير الوثائق إلى أن خمسة عشر عالما مغربيا من المذهب المالكي، حافظين للقرآن، عُيّنوا لتلاوة الربعة يوميا عند شروق الشمس داخل قبة الصخرة، وكانوا ينهون التلاوة بالدعاء للسلطان المتبرع، وأسرته، وورثته، وسائر المسلمين.

روعة فنية مغربية

بعيدا عن قيمتها الدينية والتاريخية، تُعد الربعة المغربية تحفة فنية تعكس براعة الخطاطين والمزخرفين المغاربة في العصور الوسطى، فقد استُخدم في كتابتها حبر مزيج من الزعفران والمسك ومكونات عطرية أخرى، إلى جانب حبر كربوني أسود.

وتتميز كل بداية جزء بصفحة عنوان مزخرفة تُعرف بـ"سير لوحة"، مربعة الشكل (11.5 × 11.5 سم)، تتوزع عبرها أربعة أنماط هندسية مميزة، جميعها مستوحاة من الشكل المربع.

Ph. AljazeeraPh. Aljazeera

ويرى الباحثون أن تكرار المربع ليس محض زخرفة، بل يحمل رمزية روحية عميقة، تعكس هندسة المعالم الإسلامية المقدسة كالكعبة المشرفة وقبة الصخرة، المبنيتين على أساسات مربعة أو مثمنة، مما يربط بين التجريد الهندسي والتجلي الإلهي.

كما تعكس هذه الأنماط الزخرفية الصيغة الفنية التي استلهمها الصنّاع المغاربة من الطبيعة والفنون الإسلامية، ما يجعل من الربعة المغربية وثيقة بصرية بقدر ما هي تراث ديني خالد.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال