القائمة

أخبار

دياسبو #394: ليو نورما.. من شغف الطفولة بالقفطان إلى منصات الموضة العالمية

منذ أن كان يتذكر، كان لدى العربي الصحراوي شغف فطري بالزي التقليدي المغربي، وقد بدأ يرسم تصاميمه منذ الطفولة. بعيدًا عن مسقط رأسه العرائش، طوّر المصمم العالمي اليوم موهبته في غرناطة ثم في باريس. تحت الاسم الفني «ليو نورما»، يعيد إحياء القفطان المغربي ويمنحه لمسة من الابتكار بأناقة تتناغم مع عمق اللباس التقليدي.

 
نشر
DR
مدة القراءة: 7'

ولد العربي الصحراوي في العرائش، وغادر شمال المغرب وهو في عامه الثاني. نشأ مع والديه في مورسيا ثم في غرناطة (إسبانيا). اليوم، يعرف باسم "ليو نورما"، ويفرض نفسه في عالم الأزياء الراقية على الساحة الدولية، مستلهِمًا إبداعه دائمًا من ثقافات وتقاليد وأنماط عيش بلده الأم. وإذا كان هذا الشاب الموهوب قد نجح في شق طريقه رغم كل العقبات، فذلك لأنه حافظ منذ الطفولة على حسّ مرهف عزز قناعة واحدة: أن يصبح مصمم أزياء.

محاطًا بإخوة وأخوات سلكوا مسارات مهنية مختلفة، يتذكر ليو نورما، المقيم حاليًا في مدينة بازل السويسرية، أنه كان طفلًا يميل إلى العزلة. يقول مصمم الأزياء في مقابلة له مع موقع يابلادي: "في إسبانيا، كنت أحب أن أخلق عالمي الخاص من خلال رسم ما ألهمتني به القفاطين التي رأيتها خلال حفلات الزفاف، خلال فصول الصيف التي كنا نعود فيها إلى المغرب. وبمجرد عودتي إلى غرناطة، كنت لا أفعل سوى ذلك: رسم تصاميم مخصصة، وكأنني أحاول أن أستمر في حمل الجمال الآسر الذي كان يدهشني في المغرب".

أقيم عرض أزياء حديث لليو نورما في إسبانيا، البلد الذي بدأت فيه الرحلة. ففي آخر نسخة من "عرض أزياء ألميريا"، قدّم مجموعة وصفها بأنها "جريئة وشاعرية، تمزج بين قوة الإرث المغربي والأناقة الأوروبية المعاصرة". لكن قبل ذلك، فإن افتتان الفتى الصغير بالرسم لم يكن يسهل عليه المسار الدراسي، الذي كان يركز غالبًا على تعلم اللغات والحساب، أكثر من تشجيعه على الإبداع الفني.

"هكذا كنت أكتشف بنفسي موهبتي المحتملة، لأنها لم تكن محل تقدير لا في المدرسة، ولا في المنزل حيث كان والداي قلقين على مستقبلي. لقد كانا يرغبان في الاطمئنان على الصعود الاجتماعي لأبنائهما الذين استثمرا فيهم كل شيء، لكن تلك الرسوم التي كنت أرسمها في كل مكان، في دفاتري وكتبي المدرسية، كانت تجلب لي بانتظام استدعاءات لأولياء الأمور!"

ليو نورما

القفطان المغربي، قطعة من الذاكرة يعيد خلقها في كل رسم

بعد مرحلتي الابتدائي والإعدادي، أصبح ليو نورما أكثر اقتناعًا بميوله المهنية. وما إن وصل إلى المرحلة الثانوية، قرر في سن 17 عامًا أن يكرّس نفسه بالكامل للإبداع والموضة. يقول المصمم:
"أعتقد أن حدسي كان دائمًا عونًا لي في مسارات حياتي. منذ صغري كنت أعلم ما أريده، لكنني كنت أعلم أيضًا ما لا أريده. كان من البديهي دائمًا بالنسبة لي أنني سأتطور في عالم الأزياء الراقية."

وهو لا يزال مراهقًا، بدأ بمفرده في البحث عن الفرص الممكنة. وقال "بعد دراستي، وخلال العام، لم أكن أرتاح في الصيف. كنت أذهب للتدريب أو للتجارب المهنية، أو أشتغل في المطاعم، أعمل كنادل لتمويل تكويني. حتى إنني كنت أجد أن رسم التصاميم أكثر متعة من قضاء الظهيرة على الشاطئ!"
 

"ما إن بدأت أقطف ثمار هذا الجهد الذي كلّفني الكثير من التضحيات وليالٍ بيضاء لا تنتهي، حتى شعر والداي بالاطمئنان تجاه الطريق الذي سلكته. لقد رأوا فعليًا أن اختياري للتفرغ لعالم الأزياء لم يكن عبثيًا. ومنذ ذلك الحين شجعاني كثيرًا. اليوم، يرتدي عدد من أقاربي تصاميمي الخاصة. لقد صممت قفاطين خصيصًا لأمي، ولأخواتي، وعمّاتي، وابنات خالاتي."

ليو نورما

ولأن حبّ الجد والعمل يُعدّ فلسفة حياة بالنسبة لليو نورما، فقد حرص هذا الشاب الموهوب بنفسه على إيجاد التمويلات اللازمة لأول مشاريعه، وعلى لقاء كبار مصممي الأزياء والتعلّم من خلال الملاحظة، كل ذلك بالتوازي مع تطوير أسلوبه الخاص في التصميم. وفي سن الثامنة عشرة، غادر إسبانيا ليتابع دراسته في فرنسا، حيث التحق بالأكاديمية العالمية المرموقة للأزياء في باريس (International Fashion Academy).

وفي سلك الماستر، كان الطالب المغربي الوحيد في دفعته، وهو ما زاده إصرارًا على استلهام أولى أفكاره من ثقافته الجذرية، بهدف تمييز تصاميمه عن تلك التي يقدمها زملاؤه. وقد كسب الرهان. ففي نهاية مشواره الدراسي، فاز ليو نورما بمسابقة نظمتها الأكاديمية، تُكافأ فيها الفكرة الأكثر أصالة من بين المشاريع المقدمة من طرف الخريجين الجدد.

وقال بفخر "في ذلك الوقت، كنت قد بنيت كامل مفهومي حول القفطان واللباس التقليدي. أما باقي المشاريع فكانت متشابهة إلى حد كبير، لأنها استندت عمليًا إلى نفس الأساس، أي اللباس الغربي الأوروبي".

منصة نحو عالم الأزياء الراقية الدولية

بفضل الدعم الذي استفاد منه في هذا الإطار، تمكن ليو نورما من الحصول على تمويلات، والوصول إلى أقمشة ومواد أولية عالية الجودة، إلى جانب المرافقة في بناء علامته التجارية وشعاره. كما يشارك أيضًا في عروض أزياء إلى جانب مصممين آخرين.

ويقر المصمم قائلًا "لقد كانت هذه الدينامية بالنسبة لي أكثر من مجرد دفعة بسيطة. من خلالها تمكنت من الانطلاق على الساحة الدولية"، واليوم، يعبر عن "امتنان" تجاه اللقاءات المهنية التي "فتحت له الأبواب".

ويضيف "صديق مقرب لي كان المدير الفني لدار Givenchy، قبل أن ينضم إلى Burberry. إنه ريكاردو تيشي. لقد صمّم أزياء لعدد كبير من المشاهير، من بينهم بيونسيه، وريهانا، ومادونا. وأنا فخور بصداقتي معه، لأنه قدّم لي دعمًا معنويًا كبيرًا من خلال نصائحه أثناء إعداد مجموعاتي، أو من خلال إرشادي في بعض الجوانب المهنية. لقد التقيت بعدد كبير من المصممين الدوليين الذين كان لهم دور مهم في تبادل الممارسات الجيدة. هذه الديناميات الصحية تمنحني الثقة فيما أقوم به".

"أدركت أكثر فأكثر أن ثقافتي المغربية هي مصدر قوتي، فهي التي تتيح لي التميز، وتمكنني أيضًا من إيصال رسالة مهمة مفادها أن الموضة لا تقتصر على الفساتين والبدلات. ففي القفطان واللباس التقليدي المغربي أستلهم نوعًا من الأناقة التي تميز فنّ عيشنا. ثم أُعيد تشكيلها على طريقتي، مانحًا إياها بُعدًا عالميًا."

ليو نورما

هذا الأسلوب المتفرّد يجذب المشاهير، الذين أصبح ليو نورما يصمّم لهم أزياءهم سواء في العالم العربي أو في الغرب. من بين هؤلاء أحلام، إيفا لونغوريا، بيلار روبيو، إيفون رييس، إلى جانب العديد من الوجوه التلفزيونية المعروفة في إسبانيا. وبهذا، يفرض حضوره على الساحة العالمية ليعيد إلى اللباس المغربي مكانته الرفيعة. وقد ترك بصمته كذلك في أسبوع الموضة بنيويورك، حيث كان أول مصمم مغربي يفتتح العروض.

تتويجات في الشرق والغرب

في مصر، أصبح ليو نورما أيضًا أول مصمم مغربي ينظم عرضه داخل معبد نفرتيتي في القاهرة. يقول متأثرًا: "لقد كان هذا أعظم تكريم من بلد عزيز جدًا على قلبي، ولي فيه أصدقاء كُثر. فقد وجهت لي الحكومة المصرية دعوة لعرض أعمالي داخل معلم فرعوني مُصنَّف ضمن التراث العالمي للإنسانية."

"هذا أمر يحلم به كل مصمم أزياء عالمي، لكنه شبه مستحيل التحقيق. لقد فتحت لي مصر هذا الصرح في عام 2018، في سياق من الاضطرابات، حين كان الفاعلون في القطاع السياحي يسعون إلى تقديم صورة أكثر طمأنة عن البلد. قبلت المشاركة بكل سرور، ولردّ هذا الشرف الذي مُنح لي، صمّمت خصيصًا زيًّا يجمع بين القفطان المغربي وفستان كليوباترا."

ليو نورما

مكرّسًا عمله لإبراز الإرث العريق لبلده ولباقي الحضارات في تناغم مثالي تُنسج خيوطه بالأناقة والحوار بين الثقافات، يسعى ليو نورما حتى إلى التقريب بين الشعوب من خلال الموضة. واعترافًا بمساهمته، منحهُ الحكومة المصرية "تمثال نفرتيتي"، وهو يرفعه بفخر كمصدر تحفيز للاستمرار في المضي قدمًا.

منذ ذلك الحين، أصبح عمله حاضرًا في جوائز Emigala بدبي، حيث تم تتويجه بلقب "نجم الليلة". وهو الآن يعمل على مجموعة رجالية مغربية تقليدية "بلمسة أوروبية" تعدُ بتوليفة غير مسبوقة.

ويقول المصمم بثقة: "سأعود بهذه المجموعة إلى أسبوع الموضة في نيويورك، لكنني أتمنى أيضًا أن أقدّمها في المغرب." ويعقد آماله على إمكانية أن تُوجّه له دعوة ليعرض أخيرًا في بلده الأم.

واختتم حديثه قائلا "إنه أمر أفتقده كثيرًا، وبدونه لن أشعر بأنني قد أنجزت ذاتي بالكامل. لقد شاركت في عروض أزياء عالمية، وتلقيت دعوات للعرض في مختلف أنحاء العالم، لكن ليس بعد في المغرب، البلد الذي أستمد منه مصدر إلهامي. أعتقد أن أفضل تكريم يمكن أن أقدّمه لبلدي، مقابل كل ما منحه لي، هو أن أقدّم فيه تصاميمي."

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال